Al-Quds Al-Arabi

القبائل واألقليات والصراع العرقي في الرواية العربية

- مصطفى عطية جمعة٭ ٭ كاتب مصري

■ تتجــذر إشــكالية القبلية في التركيبــة االجتماعية في اجملتمعات العربية املعاصرة، فمن الثابت أن املشكلة الَقْبلية، حاضرة فــي التأثير الثقافي العربي، وتبدو في تفاعل القبائل العربية التي هاجرت من اجلزيرة العربية منذ قرون بعيدة مع الســكان األصليني، وعملية التأثير والتأثر التي متت، وأّثرت في تكوين اللهجات احمللية، وال شــك في أن هناك امتزاجا بني الســكان في أقاليم العروبة وأقطارها اخملتلفــة، وأن مفهوم الوطنية بداللته احلديثة صاغ شــخصية عربية جديدة، لها أبعادها اإليجابية، فمفهوم املواطنة جوهره االنتماء إلى وطن بحدود معلومة، مبا يدفع ســكانه إلى إقامة عالقة اجتماعية تقوم بــني بعضهم بعضا من خالل التواصــل املكاني احلميم، كما يجعلهم يقيمون عالقة طاعة مع ســلطة الدولة، بأن يقدم املواطــن الوالء للدولــة، التي تقوم بحمايتــه وتقدمي أوجه الرعاية له، كما يولد شــعور الفرد بالروابط املشــتركة بينه وبني أفراد اجلماعة الوطنية؛ وأبرزها رابطة: الدم، واجلوار، واملوطن، وطريقة احلياة مبا فيها من عادات، وتقاليد،، ونظم، وقيم، وعقائد، ومهن، وقوانني.

وأيضا شعور الفرد باســتمرار بانتمائه إلى هذه اجلماعة فــي أزمنة عديــدة، وأنه ابن لهــذه اجلماعة نســبا وإقامة، وأنه وجيله بذرة املســتقبل، وانعكاس كل مــا يصيبها على نفســه، وكل ما يصيبه عليها، واندماج هذا الشــعور في فكر واحد، واجتاه واحــد، وحركة واحدة، ما يعزز تيار الروايات الوطنية، التي تتناول جهاد الشــعوب العربية ضد االحتالل األجنبي، وكيــف أن مفهوم الوطن كان فــي وعيها، جنبا إلى جنب مع مفهوم اجلهاد والنضال، كمــا تتناول هذه الروايات مراحل النهضة احملليــة، وما صاحبها من مشــكالت، وأيضا ظاهــرة الهجرة داخل أقطار العالــم العربي، أو إلى خارجها، وتغوص في مسبباتها االجتماعية واالقتصادي­ة، وتنظر أيضا في املشــكالت السياســية التي عصفت بأقطار العروبة، بعد مرور أكثر من ســتة عقود على التحرر من االستعمار، وإظهار مآالت احلكومات التي تولت السلطة في بعض الدول القطرية، وما قامت به نحو شــعوبها، ما أوصل مشروع الدول القطرية إلى آفاق مســدودة، نراها جميعا ماثلــة، في األزمات احلادة التي فككت بعض الدول، وانهارت أنظمتها.

وهنا نؤكــد على أهمية عــدم التغاضي عــن احلضارات السابقة على احلضارة العربية اإلسالمية، خاصة بعد التقدم الكبير في علــوم اآلثــار، وتدوين تاريخ هــذه احلضارات، واعتزاز اإلنســان العربــي بجذور حضارية متتــد إلى آالف الســنني، ضمن ما يسمى التنوع التاريخي احلضاري، الذي ال ينفي حضارة أخرى، بل يعتــز الفرد العربي بكون اجلغرافيا العربيــة كانــت حاضنــة حلضارات قدميــة زاهــرة، مثلما احتضنت احلضارة اإلســالمي­ة، وهو ما انعكس إيجابا على توظيف الرواية العربية ألســاطير هــذه احلضارات، وأيضا على الروايــات العربية التــي تناولت التاريخ اإلســالمي؛ الشــخصيات واألحداث، واألمجــاد، والصراعــا­ت، وهذه روايــات وإن كانت تتخــذ التاريخ موضوعــا، إال أنها تنظر لإلنســان احلاضر، تعزز فيه االنتماء احلضــاري، وتعطيه امتدادا تاريخيا ـ وتستدعي البطوالت في أزمنة االنكسارات، واألهم أنها تصوغ التاريخ سردا مشوقا.

يضاف إلى مــا تقدم، موقــف الهوية العربية اإلســالمي­ة املتســامح مع عرقيــات، متثل هويــات أخــرى، تعيش بني ظهرانينــا، ممثلــة في األقليات غيــر العربية، مثــل األكراد، واألمازيــ­غ، والنوبيــن­ي، فهؤالء نعتــز بتنوعهــم الثقافي، ومتيزهــم اللغوي، وإن كان الكثير منهــم يتكلمون ويكتبون ويبدعون باللغــة العربية، وقد تناولت روايات عربية عديدة مشكالتهم وقضاياهم، وأيضا ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، التي ال تبتعد كثيرا عن الهوية الثقافية العربية، على أســاس أن اإلسالم يشكل قاسما مشــتركا بني الثقافة العربية وثقافة األقليات، وفي هــذا الصدد، ال نؤمن بكل احملاوالت التي جرت من أجل طمس هويتهم اللغوية، وإذابتها في القومية العربية، وإعمال مفهوم الهيمنة الثقافية للثقافــة العربية كونها ثقافة رئيسية على ثقافة األقليات، بوصفها ثقافة فرعية أو ثانوية، فال داعي ملا ســماه لويس كافيلي «صــراع اللغات» في كتابه «حرب اللغات والسياسة اللغوية» (املنظمة العربية للترجمة، بيــروت، )2004 ويعنــي: الصراع الذي يفضي إلى ســيطرة لغة، وإزاحة أخرى مبــا يهدد األخيرة باالنقراض نتيجة عدم االســتعما­ل والتداول، خصوصا حينما ترتبط اللغة بالعرق، وعندما يتــاح للغات األقليات كتابة اإلبــداع والعلوم بها، ما يسمح لها أن تكون حافظة للتراث، وناقلة للمعارف واألفكار.

جدير بالذكر أن االجتهاد الفقهي اإلســالمي املعاصر يلتقي مع منظور حقوق اإلنســان لألقليات، ويدعــو إلى االعتراف بثقافة األقلية، ورفض انعزالها عن محيط اجملتمعات الكبرى التي تعيش فيهــا، ويدعو إلى اندماجها فــي اجملتمعات على قاعدة التعايــش والتعارف، كما يدعو اجملتمعات العربية إلى التفاعــل اإليجابي واالنفتاح على واقع األقليات على أســس القيم املشتركة، واالعتراف بثقافتها ولغاتها.

فال بــأس بكتابة هذه األقليــات آلدابهــا بلغاتها، وميكن ترجمــة اإلبداعات إلى العربية إليهــا، وإن كانت العربية هي اللغة األولى لهذه األقليات التي تعيش في اجملتمعات العربية. واملثال علــى ذلك األدب الكــردي الذي ينهــض برهانا على إمكانية ردف الرواية العربية برافــد فرعي مواز، ميكن - مع تفعيل منهجيات األدب املقارن- معرفــة آثار الثقافة العربية واإلســالم­ية فيه، وأيضا أوجه التشابه والتالقي في القضايا اإلنسانية، خاصة أن األكراد يعيشون في أكثر من قطر عربي، ولهم إســهامات حضارية وثقافية وسياســية بارزة تاريخيا وحديثا، ومن املعلوم أن الشعب الكردي موزع بني أربع دول: العراق وسوريا، وتركيا وإيران؛ بفعل التقسيم االستعماري بعد ســقوط الدولة العثمانية، عقب اتفاقيتي ســايكس بيكو ،1916 وســان رميــو ،1920 وقد متزقت الــدول العربية وفق األطماع االستعماري­ة.

بناء على ما تقــدم، فإن الهوية اجلمعيــة العربية ال تلغي التنوع الثقافي والســكاني واالجتماعي بني شــعوب العالم العربــي، وهو أمر يصــب في صالــح األدب العربــي عامة، والروائي منه خاصة، فقد عكست الرواية العربية هذا التنوع، وبات كل قطــر عربي، أو إقليم عربي لــه رواياته املعبرة عن خصائص شعبه الثقافية واالجتماعي­ة واجلغرافية والفكرية، وهذا ال يضاد خصوصية الروايــة العربية، وإمنا يضيف لها أنها رواية مصاغة بالعربية لغة، وتعبر عن جموع الشــعوب العربيــة واألقليات التي تعيش في كنفهــا، ويعتزون جميعا بالثقافــة العربيــة بوصفها ثقافة رئيســية، حتتــوي ـ وال تنفي- الثقافات الفرعية، وتعتز بكل االختالفات والتنوعات على املستوى اإلنساني والبيئي.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom