Al-Quds Al-Arabi

ال حوار جديا إال مبمثلني للشعب منتخبني

-

مع استفحال األزمة السياسية وتفاقــم االنهيــار االقتصــاد­ي واالجتماعـ­ـي والضائقــة املعيشية، جتددت الدعوات إلى عقد طاولٍة للحوار الوطني، طلبًا للتوافق على مخرج أو تســوية. دعــاُة احلوار فئتان: مواطنون مخلصون من ذوي النيات الطيبة، وسياســيون محترفون من أهل الســلطة، أو من متعطشن ليصبحوا من أهلها.

ما يتوخاه املواطنون اخمللصون من احلوار، التوّصُل إلى حٍّل لألزمة، أو باٍب للخروج منها. ما يسعى إليه السياسيون احملترفون هو التوصل إلى مخرج منها، أو تســويٍة بن أهل السلطة أنفسهم. ال املواطنون اخمللصون جنحوا في التوصل

إلى حل لألزمة، وال السياســيو­ن متّكنوا مــن التوّصل إلى تسوي ٍة مقبول ٍة وقابلة للصمود.

املواطنون اخمللصون، الســيما أهل الــرأي منهم، عاجلوا إخفاقهم مبعاودة الدعوة مرارًا وتكرارًا إلى احلوار الوطني بن أهل الســلطة املتخاصمن واملتنافسـ­ـن. السياســيو­ن احملترفــو­ن ضاعفوا فشــلهم في الدعوة إلــى التوافق على صيغة لتقاســم الســلطة والنفوذ واملكاســب بــن أقطاب املنظومة احلاكمــة. هكذا أدت كل صيــغ «التوافق الوطني» إلى تدومي لسلطِة املنظومة احلاكمة، في ظل نظام احملاصصة الطوائفي الذي ما زال يســتبد باللبنانيـ­ـن مذ إعالن «دولة لبنان الكبير» ســنة 1920 ولغاية انتقال الســلطة، ظاهرا، إلى أعيان البالد من أصدقاء دول الغرب ســنة 1943 وصوًال إلى الوقت احلاضر. إزاء االضطرابات السياسية املتواصلة واحلــروب األهليــة الدورية وتعطيل ما تبقى من ســلطات الدولة التنفيذية والتشــريع­ية والقضائيــ­ة وصوال إلى ما ميكن تســميتها حال الالقرار على جميع املستويات، ارتقى مطلب احلل الوطني، أو التسوية التاريخية إلى مرتبة أحكام الضرورة التي تتطلب التزام القواعد واإلصالحات اجلذرية اآلتية:

اوًال: ضرورُة جتاوز نظام احملاصصة الطوائفي املتداعي ومنظومته احلاكمة الفاسدة، سلميًا وتدريجيًا ودميقراطيًا، ألن اســتخدام العنف في بلٍد تعددي يؤدي دائما إلى اندالع حرب أهلية.

ثانيًا: اإلقالُع عن اعتماد طــاوالت احلوار التي يقوم أهل الســلطة الفاســدون باختيار أطرافها بغية إفراز تسوياٍت مطاطة ومجوفة، غايتها تطويل عمر املنظومة احلاكمة.

ثالثًا: ضرورُة مســارعة القوى الوطنيــة احلّية، أفرادًا وجماعــات، مبختلف ألوانها اإلصالحيــ­ة والنهضوية، إلى التوافق على تأســيس جبهــة أو حتالــف أو، أقله، صيغة تكاتــف وطني ببرنامج سياســي واقتصــادي واجتماعي، يتضمــن أولويات للمرحلــة الراهنة، وأهداف للمســتقبل املنظور، واملبادرة إلى التحــاور والتفاهم مع القوى القريبة

في طروحاتها من أولويات برنامجها السياسي واالقتصادي واالجتماعـ­ـي، بغية بنــاء حتالف عريض وأشــمل للقوى الوطنيــة العاملة لإلصالح والتغيير، علــى أن تكون قاعدة حركته السياسية والنقابية، املطالبة بتنفيذ أحكام الدستور بعدما جــرى تعديله فــي 21 أيلول/ســبتمبر09­91، بحيث تض ّمــن معظم اإلصالحات التي ن ّصت عليهــا وثيقة الوفاق الوطني في الطائف ســنة ،1989 األمر الذي جعل الدســتور املعــدل الوثيقــة اإلصالحية الوحيدة التي حتظى بأوســع توافق وطني في البالد.

رابعًا: وجوُب مبادرة التحالــف (أو التكاتف) العريض للقوى الوطنيــة النهضوية، إلى التحاور والتفاهم مع حزب اللــه، لكونه أقوى األحزاب السياســية شــعبيًة وفعاليًة، وســط تعددية األحــزاب اللبنانية األخرى األدنــى نفوذا وتأثيــرا، بغيــة التوافق علــى صيغة للتعاون السياســي وامليداني في سياق النضال الســلمي الدميقراطي، لتجاوز نظام احملاصصة الطوائفي، وفق اإلصالحات التي كرســها الدســتور املعدل، وملواجهــة تداعيات االنهيار السياســي واالقتصادي واالجتماعي الذي يعصف بالبالد كيانا وشعبا ودولة.

خامســًا: التزاُم قوى التحالــف (أو التكاتف) العريض للقوى النهضوية في حوارها مــع حزب الله وجوب دعوته بال إبطاء إلى أن يقرن أولويته االستراتيج­ية مبقاومة الكيان الصهيوني بأولويتن أخرين ال تقل عنها أهمية وإحلاحا:

*األولــى، تطوير معادلة «الشــعب واجليش واملقاومة» إلى اســتراتيج­ية متكاملة للدفاع الوطني تكفل بناء جيش وطني قوي عددًا وعّدة وتسليحًا من جميع اجلهات املتاحة، وتشريع نظام للتكامل بن اجليش واملقاومة على الصعيدين القيادي والعملياتي يدعم وحدة الدولة وسيادتها.

*الثانية، وضع خطة متكاملــة لتجاوز نظام احملاصصة الطوائفي ســلمي ًا وتدريجيــ ًا ودميقراطي ًا، مبســا ِر نضا ٍل شعبي يقود إلى بناء دولة املواطنة املدنية.

سادســ ًا: وجو ُب أن تســتلهم القوى الوطنية النهضوية

وحزب الله في إطــار صيغة التعاون السياســي وامليداني بينهما األســس واآلليات املتفق عليهــا بينهما لتجاوز نظام احملاصصة الطوائفي، ولبناء دولة املواطنة املدنية، الســيما في املســائل املتعلقــة باالنتخابا­ت، واملشــارك­ة في احلكم، ومواجهة الضائقة املعيشية، والتدقيق اجلنائي في األموال العامة املنهوبــة، وكارثة تدمير مرفأ بيروت، واســتقالل­ية السلطة القضائية، والتعيينات في املراكز اإلدارية الرئيسية.

ســابعًا: الدعوُة إلى انتخاب مجلس تأسيســي من قبل الشعب على مستوى اجلمهورية كلها باستقالل عن الدولة، مؤلف من مئة عضو، بالتســاوي بن املســيحين واملسلمن دومنا توزيع مذهبي، وعلى أســاس صوت واحد لكل ناخب أو ناخبة بلغا سن الثامنة عشرة، ليتولى املهام اآلتية:

ـ اقتــراح األســس واآلليــات املتوجبة لتنفيــذ أحكام الدستور، الســيما تلك املتعلقة باإلصالحات التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.

ـ إجراء حوار حول األســس املتوجبة لقانون دميقراطي لالنتخاب يكفــل صحة التمثيل الشــعبي وعدالته، وإعداد مشروع القانون الالزم.

ـ متابعة ومراقبة أداء كل مــن مجلس النواب واحلكومة وتقييمه ونقــده، واقتراح التصويبات والبدائل املناســبة وإعالنهــا على الرأي العام، على نحو يتيح للشــعب إجراء مقارنة بــن أداء كل من مجلس النــواب واحلكومة من جهة واجمللس التأسيســي من جهة أخرى في سياق عملية هادفة إلى تعزيز التجربة الدميقراطي­ة واالرتقاء بها.

ـ درس وإقرار اآلليات والتدابير املتعلقة بتنفيذ األهداف البرنامجيـ­ـة للقوى الوطنية النهضويــة وحلفائها، وإعداد املشروعات واإلصالحات التي يقترحها اجمللس التأسيسي، والعمل على اعتمادها بالضغط الشعبي السلمي.

أال تســتحق هذه املقاربــة اإلصالحيــ­ة اجلذرية بعض االهتمام والتفكير والتدبير؟

مع استفحال األزمة السياسية وتفاقم االنهيار االقتصادي واالجتماعي والضائقة املعيشية، جتددت الدعوات إلى عقد طاولٍة للحوار الوطني، طلبا للتوافق على مخرج أو تسوية

*كاتب لبناني

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom