Al-Quds Al-Arabi

الحلف الإبراهيمي واختزال الصراع العربي ـ الإسرائيلي

- *كاتب أردني

يحاول العقل )الإســرائي­لي( في نسخته الدينية اليهودية، أن يختزل الصراع على فلســطين وكأنه خلاف عائلي بين أبناء العمومة، وضمن هذه النزعة الاختزالية كان اللجوء إلى النبي إبراهيم، عليه السلام، ليتم إضفاء اســمه على اتفاق الســام، الذي أنجزته إدارة الرئيس دونالد ترامب فــي رمقها الأخير بين )إســرائيل( ودولة الإمــارات العربية المتحــدة، والعودة إلــى إبراهيم هي النقطة المناســبة في التاريخ، لأنهــا كانت نقطة الافتراق النظرية بين إسحق ونسله )اليهود(، وإسماعيل وسلالته )العرب(، وتتجاهل دعوة العــودة إلى الجذور، تاريخاً ثقيلاً ومرهقاً ومعقداً، شهدته العلاقة بين اليهود والعرب، وعايشه كل من الفريقين داخل تطوره التاريخي.

في الفترة الوجيزة التي شهدتها تجربة السيد المسيح، تبدت بصورة واضحــة عبثية الحديث عن ديانة يهودية جامعة، فعلى الأرض في فلســطين تصاعدت الانقسامات بين قبائل اليهود، والممالك الصغيرة، وأصحاب الوكالات الوظيفيــة للرومــان، ولأي قــوة حاكمة ومســيطرة، والتباينات الطبقية تؤكد على مجتمع وصل إلى مرحلة من التعفن داخل التاريخ، بحيث أصبحت المقاطعة الرومانية التي يعيش فيها اليهود كابوساً للولاة الرومان.

تدافــع القيــادات الدينيــة اليهودية لوضــع الحاكم الروماني بيلاطس، تحت ضغط الجماهير، ليصدر قراره بصلب السيد المسيح، كان يعلن تدشين المسيحية بوصفها ديانة انقلابيــة داخــل اليهودية، تعيد بنــاء تعريفات جديدة للحياة وغاياتها، وتُدين اللاعقل اليهودي. بينما كان اليهود يعايشون هذه المرحلة، كانت الأمور تسير في اتجــاه معاكس في الجزيرة العربيــة، وظهرت بعد فترة تاريخية ليســت بالممتدة، بوادر تشــكل المدينة العربية في مكــة ويثرب والطائف، ووصل المشــروع العربي إلى ذروته مع الرسالة المحمدية، التي وجهت انتقادات حادة وجوهرية للديانــة اليهودية وأفكارها، فجانب واســع مــن القرآن الكريم كان يغطي مواقــف بينت عبث الرؤية اليهودية للــذات والعالم، بمعنى أن الإســام كان يعلن عدم صلاحية الديانة اليهودية للعالمية وللعصر الجديد. أي عودة إلى المنابــع الإبراهيمي­ة هو في مصلحة الرواية اليهوديــة وأســاطيره­ا، وفي غير مصلحة المشــروعي­ن المسيحي والإســامي والقصة لم تعد تقارباً بين الأديان، أو البحث عن أرضية مشــتركة، لأن الأرضية المشــتركة تكــون في علمنــة الصراع القائــم والعودة إلــى المبتدأ الحقوقي، الــذي لا يتورط فــي التاريخ الســحيق، أي التعامل مع الجميع على أســاس الخسائر التي لحقت بهم وبإنسانيته­م وحقوقهم وممتلكاتهم.

لا جديــد فــي اختبــاء الصهيونيــ­ة وراء اليهودية، الصهيونية، التي تآمرت مع الاســتعما­ر من أجل تحقيق هدف مزدوج، يتمثل في زراعة جسد تابع عضوياً ووظيفياً للغرب، في منطقة اســتراتيج­ية مــن العالم، وعلى حافة قناة السويس والتقاء قارتي آسيا وافريقيا، وتقديم حل

يستلهم الرواية التاريخية وأساطيرها لتخليص أوروبا من المشكلة اليهودية، وتصدير الغيتوهات اليهودية إلى خارج أوروبا، في غيتو من الطبيعي أن يتسيده في لحظة ما التعصب الديني، لأنه ببساطة كان الذريعة الأساسية لإقناع اليهودي العــادي للتخلي عن وجوده في أوروبا، من أجل اللحاق بحلم الاســتيطا­ن في فلسطين، وبالطبع كانــت الصهيونية تســتغل بانتهازية ربمــا وصلت إلى درجة التواطؤ، مأساة الحقبة النازية، كما بينت نتف من محاكمة البيروقراط­ي النازي أدولف أيخمان في القدس، لتورطه في الهولوكوست.

لا يمكــن لاســتحضار الإبراهيمي­ــة أن يصمد بمنطقه وفكــره أمــام انزياحــات تاريخيــة هائلــة، تمثلت في خروج منظومتين دينيتين )المســيحية والإسلام( بأتباع يتجــاوزون أكثر من نصف البشــرية، ومعهــا تفاصيل تســوية العصر الاســتعما­ري، وإطلاق عصر جديد من الإنســانو­ية، بعد أن كُنست المســألة اليهودية في عملية التنظيف تحت ســجادة الوطن القومي لليهود، وكل هذه التفاصيــل لا يمكــن تجاهلها أو تنحيــة نتائجها بمجرد الإحالة إلى نقطة أصل، لا تقدم شــيئاً سوى حدث عائلي في ركــن صغير من العالــم القديم. لماذا نعيــد من جديد تجربة الســادات الخاطئــة جملةً وتفصيــاً، واعتباره أن الصراع يتلخص في حاجز نفســي أعطى لنفسه دور البطولة في تحطيمه مــع زيارته للقدس، وبعد أن تحدث كثيراً عن المســتقبل انطلاقاً من اختــزال جميع صراعات الماضي، وجد نفسه يخســر التاريخ والمستقبل معاً؟ لماذا نعتبر الاتفاق على مبدأ الســام، أنه سلام منجز، مع أنه لم يكن يقدم ســوى إقرار كامل للوضع القائم، ويتجاهل ويصادر أحقية الطرفين في معالجة أسباب الصراع؟

الحلــول الاختزالية لا يمكــن أن تنتج ســاماً حتى لو اســتخدمت العباءة الإبراهيمي­ة، لأن لهــذه العباءة مشــكلاتها أيضاً، فهوية الذبيح بين إســماعيل العربي، حسب النص الإســامي، وإسحق حسب النص اليهودي أمر من شــأنه أن يضع تحديداً، جانباً دون الآخر في دور الضحية، ودور الضحية يتطلب التعويض، فمن سيتنازل عن روايته للآخر؟ وفــي النهاية كيف يمكن إحالة صراع معقد على الأرض بين القرى الفلسطينية المقطعة الأوصال وحياتهــا النكدة علــى الفلســطين­يين والمســتوط­نات الإســرائي­لية المســيجة بالقوة والعنف وطلاوة ظروفها المعيشــية للإســرائي­ليين، إلــى مجرد تأويــل نصوص تاريخية في قصة قصيرة؟ وربمــا إذا كان علينا أن نتبع قصة مــا، فربما لتحقيق الســام على مســتوى المنطقة والعالم، علينــا أن نعود إلى عهد آدم الذي يكفل ألا تتولد صراعات جديدة بين الإبراهيمي­ين وغير الإبراهيمي­ين في المنطقة، صراعات متخيلة ومحتملة وتكاد تكون مطلوبة للتأكيــد على شــرعية ما يمكن وصفه بحلــف إبراهيمي جديد.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom