Al-Quds Al-Arabi

«واشنطن بوست»: النظام الأردني بحديثه عن انقلاب أحدث صدعاً مع قاعدة أنصاره في شرق البلاد

- لندن - «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

قالت البروفيسور­ة بســمة مومني، الباحثة في جامعة واترلو في كندا والزميلــة البارزة في مركز الحكم الدولي والإبداع إن الســلطات الأردنية هي من أعلنت عن محاولة انقلابية، لكن الرأي العام في الأردن لم يقتنع.

وقالــت مومني، إن العالم عادة ما لا ينتبــه للأحداث في الأردن، حيث تغير هذا الموقف وبشكل مثير يوم الأحد، عندما أعلنت مصادر إعلامية أن «كيانات أجنبية» ضُبطت وهي تحاول «زعزعة أمن الأردن.»

إضعاف شعبية الأمير حمزة

وحتى تبدو الأمــور أكثر إثارة، علم الأردنيون أن قائد الجيش زار ولي العهد الســابق حمزة بن الحســن وأخبره عن تقييد استخدامه لمنصات التواصل الاجتماعي، وحذره من اســتمرار التواصل مع أتباعه. واعتقلت الســلطات أيضاً رموزاً من المجتمعات القبلية في الضفة الشــرقية من نهر الأردن، وبعضهم عمل مباشرة مع الأمير حمزة.

وظهــرت نقطــة واحدة وبســيطة من كل هــذه التحــركات، وهي أن البلاط الملكــي للملك عبد الله الثاني، أراد مــن الأردنيين والعالم تصديق أن محاولةً من نوع ما تمت للســيطرة على الســلطة في البلاد. لكن السرد الرسمي سرعان ما تفكك، عندما بدأ حمزة وأقارب بعض المعتقلين بحكاية روايتهم من القصة على منصات التواصل الاجتماعي. وسرعان ما اكتشف الأردنيــو­ن أن تحركات الســلطة لم تهدف لوقف محاولــة انقلابية، أكثر من مقاومــة انقلاب في دولة تعاني فعلًا من اقتصاد متضرر بســبب وباء كورونا. وكانت الدولة تحاول بشكل واضح إضعاف شعبية الأمير حمزة المتزايدة. فلطالما أُعجبت النخبة العشــائري­ة الشرق أردنية بالأمير الذي جسّد سحر وأسلوب والده الراحل، الملك حســن. وصدم الأردنيون مرة أخرى عندما نشــر حمزة تســجيلاً عبر هيئة الإذاعة البريطانية )بي بي ســي( أنكر فيه التهم ضده. وأهم من هذا، فقد اســتخدم اللحظة للهجوم واتهام البلاط الملكي بالمحسوبية وسوء الإدارة والفساد. وأظهر في كلامه احترامــاً للقبائل وعاداتها وتعاطفاً مع معاناة المواطن الأردني العادي من الظروف الاقتصادية وإحباطه من عجز الحكومة.

وعندما بث حمزة تســجيلات أخرى، أكد ما كان يشــك به الأردنيون، وهي أن ســمعته هي المســتهدف­ة بالتشــويه. وعلى منصــات التواصل الاجتماعي، بدت الأزمة وكأنها خلاف عائلي أكثر من كونها محاولة لتولي السلطة بدعم قوى أجنبية اكتســبت زخما. فهل يمكن تفسير هذه الملحمة من خلال شــعبية الأمير حمزة الذي خطف في السنوات الماضية الأضواء

من الملك وولي عهده البالغ من العمر 26 عاماً، الأمير الحسين بن عبد الله؟

الجواب هو أن محاولة الدولة تشــكيل مســار الحدث والقصة فشلت، وبالتأكيد فقــد بدت محاولتها بوضوح هزيمة للذات. وبين ليلة وضحاها، تحول حمزة إلى بطل لدى الوطنيــن والإصلاحيي­ن في البلد، وبالتحديد بين الشرق أردنيين الذين سُــجن حوالي 20 فرداً منهم. وعقّدت السلطات الأمر أكثر باعتقال باســم عوض الله، العارف الســابق بخفايا الحكومة والذي حمّله الكثير من الأردنيين مسؤولية سياسات التقشف الاقتصادية التي تبنتها الدولة. وعلى مدى ســنوات أصبح اســم عــوض الله مرادفاً للانتهازية والفســاد. وزاد دوره الحالي كمستشار لولي العهد السعودي محمد بن ســلمان وعلاقاته مــع مجتمع رجال الأعمال فــي الإمارات، من الارتباك لهذه الخلطة.

المطالبة بالحقيقة... وعواقب طويلة الأمد

ولم يفت المعلقين في الإعلام الفضائي العربي والإسرائيل­ي أن «الكيانات الأجنبيــة» الغامضــة ربما كانت تشــير إلــى الســعوديي­ن والإماراتي­ين والإســرائ­يليين الذين يعملون معاً لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. ولفت المعلقون أن الدول هذه تحاول إحياء خطة الســام التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أو ما يعرف بـ»صفقة القرن» والتي تهدف

لمنح الإسرائيلي­ين الضفة الغربية لتحديد السيادة الفلسطينية والتعاون مــع الأمير حمزة لهــز المملكة من الداخــل. إلا أن الأردنيين لــم تمر عليهم فكرة تعاون حمزة مــع عوض الله والكيانات الأجنبية، ذلك أن ولي العهد الســابق يُنظر إليه كوطني ينبع دعمه من الشرق أردنيين الذين تتناقض مصالحهم مع المؤامرة المزعومة.

ودور الشــرق أردنيين مهم لفهم القوى الفاعلة، حيث يســيطرون على الجيش والمخابرات رغم «وضعية الأقلية» بســبب تدفق ملايين اللاجئين الفلسطينيي­ن والعراقيين والســوريي­ن. وليس من مصلحتهم المشاركة في مؤامــرة أجنبية تخفف من ســلطتهم أكثر. ويُعتبرون مــن أكبر الداعمين لحل الدولتين، ولهذا رفض الوطنيون الشرق أردنيون خطة إدارة ترامب وحلفائها من اليمين المتطرف في إســرائيل والتي تعني بالضرورة تطبيق فكرة الوطن البديل في الأردن. كل هذا دفع الدولة لتغيير نبرتها ومحاولة رأب الصدع داخل العائلة المالكة.

وفي يوم الإثنين، أصــدر الأمير حمزة بيانا عبّر فيــه عن دعمه المطلق للملــك. ومن المحتمل ألا تنتهــي القصة هنا، وأهم من كل هــذا، فقد خلقت الدولة صدعًا مع الشــرق أردنيين الذين ينتظرون الإفــراج عن المعتقلين من أفراد قبائلهم. ولن تنســى العشــائر محاولات تشــويه سمعة الأمير حمزة والرموز التي اعتُقلت، وسيواصل أنصاره المطالبة بكشف الحقيقة. وسيترك هجوم الدولة على شرف أهم أنصارها، عواقب طويلة الأمد.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom