Al-Quds Al-Arabi

السياسة الخارجية المصرية بين التحديات والفرص

- عاصم عليوه ٭

السياســة الخارجية تمثل دائما المظهر الخارجــي لأي دولة، وكلما كانت السياســة الخارجية ناجحة، كلما تمكنت الدولة من فرض رأيها وإظهــار صوتها وإبراز قوتها، ليس في محيطها الإقليمي فحســب بل على مستوى العالم.

فعلى مدار الأشــهر الماضية بدأ يظهر جليا دور السياسة الخارجية المصرية فى المنطقــة وقدرتها على تحويل العديد مــن التحديات إلى فرص ومنها:

1 . تعزيز الأمن القومــى للدولة المصرية من خــال تأمين وتوثيق وفتح قنوات اتصال على أعلى المستويات مع كافة دول الجوار.

أ ـ فعلى الجنوب تم دعم الثورة السودانية واستقبال رئيس المجلس السيادي، كما زار السيســي الخرطوم عدة مرات وآخرها كانت خلال هذا الشهر، كما تم توحيد المواقف والرؤى المشتركة خاصة فيما يتعلق بسد النهضة، وعقد اتفاقيات وتدريبات عسكرية مشتركة آخرها التي كانت بين قادة الأركان في كلا البلدين.

الحلول الدبلوماسي­ة

ب - أما فى الجهة الغربية تمكنت القاهرة الخروج ولو ظاهريا، من دعم طرف على حســاب الآخر، حيث اســتقبلت وزير داخلية حكومة الوفاق فتحى باشــاغا، وأرســلت وفدا مصريا لبحث افتتاح السفارة المصريــة في طرابلس، فضلا عن التنســيق الذي لــم ينقطع مع حفتر ومجلــس النواب بقيــادة عقيلة صالــح، كما دعمت الاتفــاق الأخير الحاصل بين حكومة الوفاق ومجلس النواب، والذي نتج عنه تشكيل مجلس رئاســي برئاســة محمد المنفي، وحكومة ليبية جديدة بقيادة عبدالحميد الدبيبة، حيث اســتقبله الرئيس المصري مؤخرا في قصر الاتحادية وأعلنت القاهرة أنها تؤيد الحكومة الجديدة.

كما أن القاهرة وضعت حدا للحل العسكري في ليبيا باعتبار أن خط سرت الجفرة خط أحمر بالنسبة للدولة المصرية، مما ساهم فى تنكيس الأعلام العســكرية، والبحث عن حلول دبلوماسية ممكنة على طاولة المفاوضات برعاية أممية ومشاركة دول الجوار وعلى رأسهم مصر.

ج - بينمــا الحدود الشــرقية والتــي كانت تعاني مــن العمليات الإرهابية على مدار سبع سنوات، تمكنت القاهرة من تنشيط العلاقات مع الحركة حماس بما أنها المسيطرة على القطاع فعليا، ودعت القاهرة أكثر من مرة الفصائل الفلســطين­ية للجلوس فى القاهرة للإتفاق على إجراء الإنتخابات، وتفعيل المصالحة الفلسطينية، والسعي في حل كل أزمات البيت الداخلي الفلسطيني.

وقــد أدى ذلك إلى ظهور دور القاهرة في الملف الفلســطين­ي كراعي وشريك رئيســي وداعم للدولة الفلســطين­ية، ليس سياسيا فقط، بل اقتصاديا أيضا من خــال الإتفاق على حصول حقــوق الامتياز لبدء تشغيل حقل عزة النفطي على البحر المتوسط.

دول الجــوار للــدول المصرية أصبحــت العلاقات معهــا في أفضل أحوالها بالنســبة للدولة المصرية من تنسيق وتوحيد الرؤى وإظهار القاهرة أنها الأخت الأكبر لتلك الدول، وهذا كان تحديا كبيرا على مدار سبع السنوات الماضية. 2. قوة إقليمية فاعلة في منطقة البحر المتوسط وذلك من خلال: أ ـ العلاقات المصرية اليونانية القبرصيــة فمنذ عام 2013 والدولة المصرية ترى أن التعاون مع اليونان وقبــرص مفيد ومهم، على الأقل أنه فرصة لإستثمار الخلاف اليونان التركي الأبدي، وقد أدى التحالف مع اليونان وقبرص إلى رسم الحدود البحرية مع تلك الدول مما سهل حصول مصر على حقوق امتياز للكشــف عن الغــاز الطبيعى في تلك المنطقة ومنها حقل ظهر وهو أكبــر الحقول في تلك المنطقة )حيث يبلغ احتياطي الغاز به أكثر من 30 تريليون مكعب(.

ب- تأســيس منتدى غاز المتوســط بالاتفاق مع فرنســا وإيطاليا ودول شرق المتوســط - ما عدا تركيا ولبنان وســوريا - وجعل هذا المنتدى منظمة دولية، وإن كان ظاهره منتدى اقتصاديا إلا أن جوهره سياسي بحت، وهو كبح الإجراءات التركية في تلك المنطقة والوقوف كمنظمة دوليــة فى وجه تركيا، وقــد أدى ذلك إلى تراجــع تركيا في التعامــل مع الملف المصري بقول الرئيس التركــي أن هناك تواصلا مع القاهرة على المستوى الاســتخبا­راتي ، وما صرح به وزير الخارجية التركي منذ أيام أن أنقرة لا تمانع من رسم الحدود البحرية مع القاهرة. 3- العلاقات المصرية الخليجية: تطورت العلاقــات الخليجية المصرية كثيــرا وخاصة مع الإمارات والسعودية والبحرين منذ الثالث من تموز-يوليو2013 وحتى اليوم، حيــث زار الرئيس المصــري دول الخليج أكثر من 24 مــرة منذ توليه منصبه، كما قدمت دول الخليج دعما منقطع النظير للنظام المصري.

وبعــد إنهاء الخلاف القطري مع الرباعــى العربي عادت العلاقات المصرية القطرية إلى طريق يمكن خلاله بحث وحل أوجه الخلاف بين القاهرة والدوحة، وقد أدت تلك المصالحة إلى عقد لقاء ثنائي بين مصر وقطر فى الكويت، أعقبه لقاء رســمي بين وزيري خارجية البلدين في القاهرة، وتســلمت الدوحة رئاســة مجلس جامعة الدول العربية من القاهرة، وسبق ذلك أيضا الإفراج عن مراسل قناة «الجزيرة» المصري محمود حسين بعد عدة أعوام قضاها في السجون.

التحديات الماثلة

إذن العلاقات المصرية الخليجية في تطوير مســتمر مع كل أعضاء البيت الخليجى وهذا مهم جدا للدولة المصرية ليس سياســيا فحسب، بل إقتصاديا أيضــا لأن الخليج يقع في المرتبة الأولى من حيث تحويل العملة الأجنبية لمصر فضلا عن حجم الإستثمارا­ت الخليجية فى مصر. 4- الزعامة العربية: بدأت القاهرة تبحث عن تلك الزعامة المفقودة منذ سنين وقد اتخذت القاهرة عدة خطوات لإعادتها:

أ- التنســيق بين القاهرة وعمان وبغداد، ســواء على المســتوى السياســي أو الإقتصادي وقــد عقدت أكثر من قمة بــن زعماء الدول الثلاث لتعزيز التعاون المشترك سواء سياسيا أو اقتصاديا.

ب - التجديــد لأحمد ابو الغيط كأمين عــام لجامعة الدول العربية تأكيد علــى أن القاهرة ما زالت محتفظة بقوتهــا وزعامتها بين الدول العربية، هذا وإن كان إجراء روتينيا إلا أنه لا يخلو من احترام العرب للقاهرة واعتبارها الشقيقة الكبرى لهم.

ما زالت التحديات في السياسية الخارجية المصرية كثيرة ومقلقة، وعلــى القاهرة اتخاذ خطوات جادة لمواجهتهــ­ا ويأتي علي رأس تلك التحديات:

أ- العلاقات المصريــة الأمريكية خاصة مع تولــي بايدن والحزب الديمقراطـ­ـي مقاليد الأمور فــي البيت الأبيــض والكونغرس، وهذا يعنى أن علــي الدولة المصرية أن تعيد حســاباتها فيما يخص حقوق الإنسان وأوضاع السجون والحبس الاحتياطي، لأن تلك الموضوعات ســيكون لها اهتمام بالغ في أي حديث مستقبلي بين الإدارتين المصرية والأمريكية.

ب- ســد النهضة: وما يمثله من أزمة تؤرق جموع المصريين، فيجب أن تكــون هناك خطوات أكثر فاعلية وإجراءات أكثر جدية لمنع إثيوبيا من الانفراد بالقرار فيما يخص ملء سد النهضة، وهذا يتطلب الجلوس مع القيادة الأمريكية الجديدة للحصول على تأييدها كما حدث ســابقا مع إدارة ترامب، واســتثمار العلاقات القوية مع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات للضغط على إثيوبيا للقبول بالمقترحات المصرية لملء السد، واستمرار الرؤى المصرية السودانية كرؤى واحدة مصيرها الوصول إلى إتفاق يلزم أديس بابا بكيفية ملء السد. ج- العلاقات المصرية الإسرائيلي­ة: هناك إســهال دبلوماســي في المنطقة العربية بإنشــاء وتأسيس علاقــات دبلوماســي­ة مع إســرائيل، يجــب على مصــر أن تظل على سياستها الخارجية منذ كامب ديفيد 1979 وأن العلاقات الدبلوماسي­ة مع إســرائيل تقتصر على الحكومة المصرية متمثلة فقط في المخابرات والخارجية، بينما ليس هناك أي تطبيع على مســتوى الشعوب فهذا يمثل نقطة قوية للسياسة الخارجية المصرية.

الساســية الخارجية المصرية نجحت في بعض الملفات لأن القاهرة أدركت أنها فقدت قوتها الخارجية منذ سنين، ربما كان الظرف الزماني والمكاني يحتم عليها ذلك، ولكن ما أن استقر الأمر اتخذت القاهرة عدة قرارات وسياســات نتج عنها نجاحات في تلك الساســية الخارجية فــي تلك الملفــات، ولكن يظــل القارئ المصري يســأل متى ســتنجح السياســة الداخلية المصرية لرأب الصدع ولم الشمل ولوأد الخلافات والاستقطاب الحادث في المجتمع المصري منذ سنوات.

٭

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom