Al-Quds Al-Arabi

أستانة السورية: تأجيل إدلب والأنظار نحو مواجهة الانفصالية

- د. باسل الحاج جاسم ٭

بســبب القيــود المفروضــة لمواجهــة جائحــة كورونــا فــي كازاخســتا­ن، جرى عقد الجولة 15 من محادثات أستانة السورية في مدينة سوتشي الروســية، وصحيح أن البيان الختامي للدول الضامنــة لمســار الأســتانة، بــدا معياريًا ولــم يختلف كثيــرًا عن البيانــات التي صدرت ســابقًا فــي العاصمة الكازاخســ­تانية نور ســلطان، لكن الواضــح من تصريحات المفاوضين أن لديهم شــيئًا كثيــراً يتحدثون عنه، خلف الأبــواب المغلقة بعد فتــرة انقطاع في اجتماعات هذا المسار .

المسار الأكثر جدلا

أصبحت عملية أســتانة منــذ انطلاقها اوائل عام 2017 المســار الأكثــر إثــارة للجدل، لاســيما بين الأطــراف الســورية المعارضة، وكذلــك بين الدول الغربيــة الغائبة الحاضرة في الملف الســوري، حيــث أمكــن لأول مــرة بــدء مفاوضات بــن الطرفين الســوريين المتحاربــ­ن «طابــع عســكري تقني» وبحــث ملف تبادل الأســرى والبحــث عن المفقودين «لم يحقق تقدمــا حتى الآن» وتنظيم تقديم المساعدات الإنسانية.

وســاعدت اتفاقية إنشــاء أربع مناطق خفض تصعيد، الموقعة فــي أيار- مايــو 2017 في تقليل حدة الأعمال القتالية، وســيطرت دمشق على مناطق خفض التصعيد بشكل كامل لاحقاً، باستثناء محافظة إدلب.

كما شــكلت أســتانة حالة جديدة من نوعها أيضًــا حول كيفية تفاعل روســيا وتركيــا وإيران داخل خريطــة الجمهورية العربية،

وتتمســك إيران بمسار أســتانة، الذي تعتبر طرفاً فيه،على خلاف اتفــاق سوتشــي، الــذي تم توقيعه فقط بــن روســيا وتركيا في أيلول- سبتمبر 2018.

علــى الرغم مــن أن المفاوضــا­ت الرئيســية بين الدبلوماسـ­ـيين والعســكري­ين الروس والأتراك مســتمرة، قبل وأثناء الاجتماعات الدوليــة بصيغــة أســتانة، إلا أنهــا تجــري بشــكل مكثــف أكثــر مــن الأطــراف الأخرى، وهــذا التعاون بــن دولتين لهمــا مصالح متعارضة تمامًا، هو مثال ســاطع على الشــراكة الظرفية، وتؤدي إلى بعض النتائج الإيجابية للطرفين .

غادر الجيش التركي جميع نقاط المراقبة التي أقيمت سابقًا على الأراضي الســورية، في المناطق التي اســتعادها الجيش النظامي الســوري، و تســتمر الدوريات الروســية التركية المشتركة بشكل منتظم للحفاظ على وقف إطلاق النار في المنطقة، ومع ذلك تحدث انتهــاكات لها أحيانًا، فضلاً عن الاســتهدا­ف المخطــط للجماعات الإرهابية في إدلب.

المعارضة المعتدلة

وحســب البيان الختامي، فإن الدول الضامنة، روســيا وتركيا وإيــران، توافقــت على تمديد جميــع الاتفاقــا­ت المتعلقة بـ»خفض التصعيــد» و»التهدئة» في إدلب، وأكــدت التزامها بوحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وســيادتها، وقالت الدول الثلاث في بيان مشترك: «درسنا الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب بالتفصيل، وشددنا على ضرورة الحفاظ على السلام على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات القائمة بشأن إدلب.»

تجدر الإشــارة، أن مصير إدلب لم تتم تســويته سياســياً حتى

يومنا هذا، والســام ممكن ومســتمر هناك، فقط طالما أن روســيا وتركيا تتســامحان مع الوضع الراهن في إدلب، وتوفيان بطريقة ما مصالحهما المتضاربة في هذه المنطقة، لكن جماعة تحرير الشام لــن تتبدد من تلقاء نفســها، ويبدو الآن تعليق روســيا آمالها على الدعم التركي في إدلب للمعارضة المعتدلة.

و لا تزال موســكو تطالــب أنقرة، بفصل المعارضــة المعتدلة عن المتطرفة، حســب الاتفاق في مارس -آذار من العام الماضي 2020، في اجتماع بين رئيســي هذين البلدين بوتــن واردوغان، أو بكلام آخر، تريــد روســيا اليوم اســتخدام المقاتلــن المعتدلــن للقضاء على المتطرفين، والموقف الروســي من قضيــة إدلب قبل بدء جولة أســتانة، صاغه بشكل مباشــر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى ســوريا ألكسندر لافرينتيف، وهو أن الانتصار على الإرهابيين في إدلب أصبح الآن مهمة «المعارضة المعتدلة» المدعومة من تركيا، ودعا لافرينتيف المعارضة أن تبقى على تواصل مع روسيا والقيام بزيارات لها.

حقول النفط

كمــا ورد فــي البيــان الختامي لمحادثــات أســتانة 15 أن الدول الضامنة ترفض خلق حقائق جديدة في سوريا تحت ستار مكافحة الإرهــاب، بما في ذلك مبــادرات الحكم الذاتي غير المشــروعة، في إشــارة إلى شمال شرقي سوريا، وعبروا عن عزمهم الوقوف ضد الأجنــدات الانفصاليـ­ـة، وانتقد رئيس الوفد الروســي في مؤتمره الصحافي ممارســات الولايات المتحدة في «نهب» النفط السوري، وهاجم الوفدان الســوريان ممارسات ما يطلق عليها قوات سوريا الديمقراطي­ة «قســد» من عمليات تغيير ديمغرافي، وتغيير المناهج الدراسية والتجنيد الإجباري، وخطف الأطفال وتجنيدهم، وتمت الإشــارة إلى مقــال روبرت فورد الســفير الأمريكي الســابق لدى سوريا في مجلة «فورين افايرس» مطلع العام الجاري، حيث أشار إلى استمرار ميليشيات YPG، في ارسال السيارات المفخخة إلى البلدات الواقعة تحت سيطرة المعارضة المدعومة تركياً .

وبــات معروفــاً أن شــركة «دلتا كريســنت إنرجــي» الأمريكية للطاقة وقَّعت قبل أشــهر مع ميليشيات قوات سوريا الديمقراطي­ة اتفاقاً لتطوير حقول النفط في شــمال شــرقي ســوريا، وسبق أن كشــف الجنــرال ريمونــد تومــاس، قائــد العمليــات الخاصة في الجيــش الأمريكي عــام 2017، خلال جلســة حواريــة على هامش مؤتمــر «إســبين» الأمني فــي ولاية كولــورادو، أن إطلاق تســمية «قوات ســوريا الديمقراطي­ة» كان بناء علــى طلب أمريكي من أجل التغطية على اسم تنظيم « YPG » العمود الفقري لتلك الميليشيات، وارتباطه بحزب العمال الكردســتا­ني PKK() والمصنّف منظمة إرهـابية في حـلف النـاتو ودول إقلـيمية عدة.

تــدرك جميع أطراف أســتانة، ارتباط ملف التســوية الســورية بشــكل كبير بسياسات الإدارة الجديدة في البيت الابيض، وسبق وأكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن الجيشين الروسي والأمريكي يتعاونان بنشــاط في المجال الســوري، ولكن حســب لافرينتيــ­ف مبعــوث الرئيس الروســي، على الرغم مــن أن الدعوة للمشــاركة في المحادثات في سوتشــي قد أرســلت إلى واشنطن، كمــا هو الحال قبــل كل جولة في مســار أســتانة، إلا أن الولايات المتحدة لم تشارك هذه المرة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom