Al-Quds Al-Arabi

صفقة الشقاق

قلق أردني على مكانة المملكة في الأماكن المقدسة يواجه الطموح السعودي والتركي فيها

- نداف شرغاي

■ ها هو حــدث ذو معنى كبير يختبئ خلف كواليس المساعي الأمريكية للترويج لخطــة الســام الإقليميــ­ة التي تســمى «صفقة القرن»: السعودية حامية الأماكن الإســامية المقدســة في مكــة والمدينة، طلبت لنفسها موطئ قدم ومكانة أيضًا في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، أي: الحرم.

إدارة ترامب، التي ترى في السعودية الحجر الرئيس في محــور الدول العربية المعتدلة، والتي بدونها لن تقوم تســوية هنا، لــم ترفض ذلــك. أمــا الأردن، وهو مدماك آخر فــي المحور العربــي المعتدل، والذي هو في اتفاق ســام مع إســرائيل فــي 1994م، والذي حصل علــى نوع من الوصاية على الأماكن الإســامية المقدسة في القدس وأصبح عمليًا شريك إسرائيل الهادئ في إدارة الحرم ـ فقد صخب.

توجه الأردنيون بداية لإســرائيل في القنوات المتبعــة. في إســرائيل حاولوا تهدئــة روعهــم. ثمــة معاهدة لنــا، قال الدبلوماسـ­ـيون الإســرائي­ليون لمبعوثي عبد الله، ولكن الملك رفض أن يهدأ، وطلب منهم أن يتحدثوا مع الأمريكيين.

تحدثــت إســرائيل مــع الأمريكيــ­ن، وشــددت علــى أهميــة الأردن كذخــر اســتراتيج­ي، إقليمي وأمني لإســرائيل، وكشــريك يمكن العمــل معه في مســألة الحــرم المتفجــرة. بل وفصلت سلســلة من أوجــه التعاون في مجــالات مختلفة بينها وبين المملكة الهاشــمية، تعطي ثمارًا للولايــات المتحدة أيضًــا، ولكن الأجوبة التي جاءت من ترمــب لم ترض عبد الله، فقــد أراد تعهدًا لا لبس فيه بأن مكانته كــ «وصي على الأقصى» لن تتضرر.

مــن زاويــة نظــر الأردن، فــإن هذه الوصايــة، المنصوص عليهــا في معاهدة الســام مع إســرائيل، هي أحد المراسي القويــة لمواصلــة وجــود المملكــة، التي يتضعضــع وضعها الاقتصــاد­ي؛ والتي يشــكل فيهــا البــدو والقبائــل الموالية للأســرة المالكة أقلية بين الســكان هناك. والفلســطي­نيون، بمن فيهــم من الإخوان المســلمين، يشــكلون مصدر قلق مستمر، وغير مرة يهددون الحكم.

ينبغــي أن يضــاف إلى هذا الشــحنة التاريخيــ­ة والخصومة طويلة الســنين بين الأردن والســعودي­ة على الهيمنة على الأماكن الإســامية المقدســة في القدس. بعــد الحــرب العالميــة الأولى خســرت السلالة الهاشمية أمام السعوديين منصب حامــي الأماكن الإســامية المقدســة في مكة والمدينة، وواســت نفسها بالوصاية الفرعية على الأماكن الإســامية المقدسة في القدس.

الحســن بن علي، الذي كان شــريف مكة وأميرها، كان من الســالة الهاشمية التي يرى أجدادها أنفسهم من نسل النبي محمــد، وقد مــات فــي 1931م ودفن في الحرم. ابنه الثانــي، الملك عبدالله الأول، قتل في المسجد الأقصى في 20 تموز 1951م على خلفية اتصالاته مــع قادة الحاضرة اليهوديــة في بلاد إســرائيل. أما حفيده، الملك حسين الذي ورثه بعد وقت قصير من ذلك، فكان شاهد عيان في الاغتيال.

ملك الأردن الحالي، عبد الله، هو الابن البكــر للحســن، وحفيد عبــد الله الذي اغتيل في الاقصــى، وحتى بعد أن وحدت إسرائيل شطري القدس في 1967م، واصل الأردن الحفاظ على الصلة بالحرم، وشغل ودفع اجور عاملي الأوقاف، واستثمر على مدى السنين الكثير من الأموال لترميم قبة الصخرة والأقصى.

هذا التاريخ يعرفــه الأمريكيون ايضًا، ولكــن عندمــا تلبثــت الإيضاحــا­ت من واشــنطن بالوصول، قرر عبد الله العمل بطريقة «عدو عدوي هو صديقي.»

فــي الحالة المحــددة، الصيغــة الأدق كانــت: عندما يتشــارك عــدوي معي في خصومة مريرة أكثر لعدو مشــترك آخر، فإن عدوي النسبي يمكن أن يكون صديقي أيضًا. لقاء الملياردير­يين

مرتين في الأشــهر الأخيــرة، كلف عبد الله، ملــك الأردن، نفســه عناء الســفر إلى تركيا. مرتين شــارك فــي اجتماعات الطوارئ لمنظمة التعاون الإســامي التي نظمهــا أردوغــان الرئيــس التركي في إســطنبول للاحتجاج على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

أردوغــان ليس كأس شــاي عبد الله، أبعد من ذلك. فالرئيس التركي يرى نفسه كأب الإخوان المســلمين في أرجاء العالم؛ بما في ذلك أولئك الذين في الأردن، الذين يهددون غير مرة استقرار حكم عبد الله.

غيــر أن الملــك الأردني افتــرض بأن أردوغان، الذي يســعى علنًا إلى معقل له في القدس وفي الأقصى، فقد قلق مثله، أي من إمكانية أن يتركهما الســعوديو­ن إلى الوراء بدعم من الأمريكيــ­ن. فاللامبالا­ة السعودية ـ مقارنة بالغضب التركي ـ في ضوء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى جانب البلاغ الســعودي لتركيا بأنها تلغي صفقة ســاح معها بمبلغ )2( مليار دولار، خلــق نقاط التفاهم بــن الاثنين. والتهديد السعودي لاحتلال الحرم أيضًا عززها. لقد كان تلميح عبد الله للأمريكيين شــديد الوضوح: الأردن ليــس في جيب ترامب، وهو ليس شــريكًا تلقائيًا للمحور العربي المعتــدل. وقد وصلت الرســالة. وكانت النتيجة لهذه اللقاءات أن خفضت السعودية بعدة مستويات الأحاديث عن وصايتها على الاماكن المقدسة في القدس. حاليًا على الأقل تخلت عنها. فللســعودي­ة حــدود طويلة مــع الأردن، والأردن يمنع محافل متطرفة من التســلل إلى الأراضي الســعودية. والمصلحــة الســعودية في وجــود المملكــة الهاشــمية ذات الوضع الاقتصــاد­ي الصعــب كبيــرة لا تقل عن مصلحة إسرائيل.

فضلاً عن ذلــك، فــإن التظاهرات في الأردن والأزمة الاقتصادية العميقة هناك شجعت الســعوديي­ن على عقد قمة في مكة لحل مشاكل الأردن الاقتصادية العسيرة. وولد لقاء القمة هذا رزمة مساعدة للأردن بمبلغ )2.5( مليار دولار )من الســعودية واتحاد الإمارات(. التظاهرات في الأردن إلى جانب لقاءات عبد الله في تركيا، أدت إلى أن يحصل الأردن علــى إقرار متجدد من إســرائيل والولايات المتحدة بالنسبة لمكانته في الحرم.

ومع ذلك، فقد طلب من الأردن أيضًا دفع ثمن، فــالأردن يدفع الثمن لإســرائيل في التسليم العملي )غير الرسمي( بالارتفاع الهائل في عدد الــزوار اليهود إلى الحرم. فيما أن التحفظ على هذه الموافقة واضح، الزيــارات: نعم، الصلــوات: لا. ولا يزال الأردن مطالبًا بتأييد فكرة إقامة العاصمة الفلسطينية في أبو ديس، التي على حدود الولاية الشــرقية للقدس. حاليًا يعارض الأردن ذلك، وهو بالطبع مطالب بالتوقف عن التســكع مع محور الشــر الذي يعتبر أردوغان اليوم جزءًا منه.

أما الآن، وبعد أن تنازلت الســعودية، مؤقتًا علــى الأقل، عــن مطالبتها بمكانة في الحرم، فــي إطار صفقة القرن، وعندما يكون الأردن ضمن ظاهــرًا مكانته هناك، فــإن الســعودية والاردن تعــودان مرة اخرى إلى التعاون في مواجهة النشــاط التركي في القــدس وفي الحرم. وكلتاهما أعربتا امام إســرائيل عن قلق من المكانة التي يكتســبها أردوغان لنفسه في شرق القدس وفي الحرم، من خلال ضخ الأموال من جمعيات تركية مثل «تراثنا»، «تيكا». الإرهاب يخرج إلى النور

قبل نحو نصف سنة، بدأت قيادة الأمن القومي بجمع المواد عــن الأموال التركية التي تضــخ غلى شــرق القــدس. وكان الهــدف المعلن هو محاولــة التقليص قدر الإمكان من النشاط التركي في العاصمة، والمس بالقنوات المالية التي تضخ من المال التركي إلى المدينة.

والمشــبوه­ون الفوريون فــي العلاقة مع هــذه الجمعيات هم حمــاس والجناح الشمالي من الحركة الإســامية. صلتهم الإيديولوج­ية بتركيا لا تحتاج إلى دليل، ولكن مــن أجل العمــل ضــد الجمعيات التركية مطلوب أدلة علــى اتصال ـ مالي أو غيــره ـ محظــور حســب القانــون. معلومات كثيرة جمعت وهي تدرس الآن، وقريبًا ســتعرض على المستوى القانوني والسياســي. قســم من المواد مأخوذ من مصــادر علنيــة، فالتقريــر الجديد الذي ينشــره هذه الأيــام بنحــاس عنبري، الباحث في المركز المقدسي للشؤون العامة والسياســي­ة، مأخوذ أساسًــا من هناك، وهو يدل على تقارب محتمل بين قســم من الجمعيات التركية وفروع الإرهاب.

يــروي عنبري بأن تركيا تســللت منذ الآن إلى المؤسسة الإســامية الدينية في المدينة من خلال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الشــيخ عكرمة صبري، الذي بدأ حتى بلبس ملابس الشيوخ البيضاء التي تمثل المؤسســة الدينية التركية. وورد في التقريــر بأن صبري يتمتع بخط مباشــر مــع الرئيس التركــي أردوغــان، وكثير من الناس في شــرق المدينة يستخدمون خدماته كي يعقدوا اتصالاً مع الســلطات التركية. يصــب عنبري ضــوءًا جديدًا، ســواء علــى نشــاطات صبــري أم على نشــاط الســياحة التركية إلــى الحرم. وحسب نتائج هذا البحث فإن المجموعات الســياحية المنظمة تتشــكل مــن اتراك عاطلــن عن العمــل يتلقون امــوالاً على مشاركتهم في المشروع السياحي الذي له هدف واحد هو «احتلال الحرم.»

هذه الحقائــق ومعطيــات الخلفية لا تقض مضاجع محافل الأمن الإســرائي­لية فقــط، بل وتقلــق جــدًا الأســرة المالكة الاردنية، التي تحاول الآن ـ كما أســلفنا ـ العمــل مع إســرائيل والســعودي­ة ضد المحاولات التركية لكسب معقل لتركيا في الحرم في البلدة القديمة. إسرائيل اليوم 2018/7/13

 ??  ?? الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وإلى يمينه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وإلى يمينه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom