Emarat Al Youm

لوانسك.. «جمهورية وهمية» تض وتخلو من أجهزة الصراف الآلي

- ترجمة: مكي معمري عن «دير شبيغل»

الجسر المدمر الذي يمتد عى نهر «دونتس» هو رمز لشرق أوكرانيا المنقسمة. ربما تكون الحرب قد انتهت، لكن السلام لم يبدأ بعد. لقد انهار الجزء الرئيس من الجسر، ليصبح صالحاً للسر عى الأقدام بمساعدة درجن خشبين. يصارع الآلاف من الناس، كل يوم، ويأتي المتقاعدون في المقام الأول. ويتم نقل المرضى والمعاقن، وكذلك عربات الأطفال، وأكياس مليئة بالخوخ والتفاح. إنه المعبر الوحيد عبر الحدود الذي يقسم العائلات، والصداقات، والشراكات التجارية.

شمال نهر «دونتس»، يرفرف العلم الوطني، الأزرق والأصفر، لأوكرانيا، ما يدل عى أن الأراضي خاضعة لسيطرة كييف. جنوب النهر وعى الجسر نفسه، يمكن رؤية الألوان الثلاثة الروسية، مع وجود شريط أزرق فاتح بدلاً من الأبيض. إنه علم «جمهورية لوانسك الشعبية» المعلنة ذاتياً، التي انفصلت عن أوكرانيا بمساعدة روسيا. إنها «كيان» غر معرف به ينتمي قانونًا إلى أوكرانيا، لكنه ملحق بحكم الأمر الواقع لروسيا، ويبلغ عدد سكانه 1.5 مليون نسمة. من النادر أن يُسمح للصحافين الغربين بالوصول إلى هناك. والمعاير المستخدمة من قبل وزارة الاتصالات في «الجمهورية الشعبية» لمنح التصاريح غر واضحة. لكن مثل هذه التصاريح موجودة، عى ما يبدو.

تبدأ الرحلة عبر الجمهورية من «ستانتسيا لوانسكا» التي لعبت دوراً جديداً، كمدينة حدودية ومركز لإعادة الشحن والنقل. فيها الكثر من النشاطات والأكشاك، إضافة إلى بنك الادخار الذي يرتاده المتقاعدون. عند نقطة التفتيش عى الجانب الأوكراني، يفحص مسؤولو الجمارك المسلحون كل حقيبة. يعمل الضباط الرسميون عى أجهزة الكمبيوتر المحمولة التي تم التبرع بها والتي لم تظهر الأعلام الأمركية عليها.

مقاومة كبيرة

انسحبت أوكرانيا من هذا الشريط العريض في الصيف، كجزء من خطة للفصل بيت القوات، التي تم التفاوض عليها بن الجانبن. ويُعد الفصل بن القوات إحدى الخطوات المهمة القليلة جداً، إلى الأمام، منذ بروتوكول «مينسك» في فبراير 2015. وقد أكد هذا الاتفاق وقف إطلاق النار، وأضفى الطابع الرسمي عى الخطوط الأمامية بن قوات الحكومة الأوكرانية والمتمردين الموالن لروسيا. لكن المناوشات استمرت رغم ذلك. في الواقع، فإن «ستانتسيا لوانسكا » هي المكان الوحيد عى طول الجبهة، البالغ طولها 400 كيلومر، والتي تفصل أوكرانيا عن الانفصالين. إن الراجع عن أراضٍ ضحّى من أجلها الجنود بدمائهم يتطلب قدراً كبراً من الشجاعة السياسية. وقد أظهر الرئيس الأوكراني المنتخب أخراً، فولوديمر زيلينسي، حماساً لإحلال السلام. إنها شجاعة لكن المقاومة كبرة.

أي شيء يشبه التنازل لموسكو يكفي لإثارة الاحتجاجات في كييف. والوضع مشابه عندما يتعلق الأمر ب «صيغة شتاينماير »، التي وافق عليها زيلينسي. الصيغة

حل دبلوماسي

وسط حمل اسم فرانك فالر شتاينماير، الذي كان وزيراً للخارجية الألمانية عندما تم إبرام بروتوكول مينسك، وأصبح الآن رئيس ألمانيا. وتحدد الصيغة متى وكيف ستسمح كييف للمناطق الانفصالية بوضع خاص داخل أراضي الدولة الأوكرانية. مثل هذا الوضع منصوص عليه في اتفاقية مينسك، لكن غر معتمد عى نطاق واسع في كييف، وبالتالي فهذا يؤدي إلى الاحتجاجات.

نقطة التفتيش الانفصالية في الطرف الجنوبي من الجسر ليست أكر من مقطورة. شاب يرتدي بدلة تدريب، يفحص جوازات السفر وهويات الصحافين، يجب عى الزوار ملء استمارة من «وزارة أمن الدولة»، وتشمل معلومات عن الزائر، بما فيها الانتماء الديني، والفندق الذي يقيم فيه، ولا يتم تفتيش الحقائب، ومن ثم تستمر الرحلة وسط مجموعة من التلال، لتنتهي إلى المدينة.

دفن مؤقت

لم تكن لوانسك مدينة جذابة عى الإطلاق، فهي تقع في منطقة مناجم الفحم في دونباس، كانت دائماً الشقيقة الأصغر والأفقر لمدينة دونيتسك. لكن الآن تبدو المدينة فارغة أيضاً، تتميز محطة القطار بالهدوء مثل المتحف، ولا يوجد سوى خطي مواصلات، أحدهما باتجاه دونيتسك والآخر عبارة إلى الجبال الداخلية. ويتميز فندق «لوانسك» بموقع مركزي مع 19 طابقاً، وبه عدد قليل من الضيوف، ولا يوجد فيه مقهى، ولكن به ثقوب الرصاص في النوافذ.

عانت لوانسك بشدة خلال القتال. في صيف 2014، أطلق الجيش الأوكراني نران المدفعية الثقيلة عى المدينة. لم يكن هناك ماء لفرة، ودُفن بعض القتى مؤقتاً في الساحات الأمامية للمنازل بسبب الحرارة، وتم نقل العديد من الضحايا في وقت لاحق إلى ضواحي المدينة، حيث يعرض نصب تذكاري صغر أسماءهم.

ويقع مقر حكومة الجمهورية الشعبية في مبنى الإدارة الإقليمي السابق. التقاط الصور ممنوع منعاً باتاً. حتى بطاقة اعتماد الصحافة، الموقعة من قبل وزير الاتصالات، لا تتيح الوصول إلى كبار المسؤولن.

لكن غليب بوبروف سعيد بالتحدث، رجل ضخم وله لحية وعينان صغرتان. إنه رئيس اتحاد الكتاب، وهو المفكر الأبرز بن المتمردين المحلين. قبل أكر من عقد من الزمان، أي قبل بداية الحرب بفرة طويلة، توقع بنبرة قاسية أن الحرب الأهلية ستدار رحاها شرق أوكرانيا. ويقول بوبروف بفخر: «لقد توقعت بشكل صحيح نحو 70% مما حدث، وصولاً إلى موقع الخطوط الأمامية ومفاوضات مينسك.»

خطة فاشلة

مثل معظم الانفصالين، لم يكن بوبروف يريد دولة صغرة مستقلة في لوانسك، ولهذا السبب

يرفض بشدة مصطلح «انفصالي». يقول إنه يريد «العودة إلى روسيا»، وهذه هي «الفكرة الوطنية وراء الجمهورية الشعبية»، ويضيف أنه لسوء الحظ، لم تنجح الخطة كما كانت الحال في شبه جزيرة القرم.

بالنسبة لبوبروف، فإن الدولة الأوكرانية هي بقايا لا معنى لها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، مدعومة بنخبة فاسدة، وأيديولوجي­ة قومية اشراكية وقمع وحشي.

بعد مناقشتنا، يدعونا بوبروف إلى المسرح الروسي في المدينة لحضور العرض الأول. للمرة الأولى، يتم عرض عمل عن الحرب، وهي قراءة مثرة لشعر الحرب. واتضح أنها خالية من الأيديولوج­يات بشكل مدهش، وخالية من الانتفاضات المعتادة التي تعتبر جميع القوات الحكومية من الفاشين.

أليكي كارياكن، المولود عام 1980، هو أحد آباء «جمهورية لوانسك الشعبية»، وكان أول رئيس لبرلمانها، رغم عدم وجود أحزاب سياسية في البرلمان، إذ تم حظرها جميعاً. لا يوجد سوى «حركات»، واحدة منها تسمى «الحرية للوانسك» وأخرى أطلق عليها «الاتحاد الاقتصادي».

 ?? أرشيفية ?? عبور الجسر المتهالك كابوس حقيقي للمتقاعدين.
أرشيفية عبور الجسر المتهالك كابوس حقيقي للمتقاعدين.
 ?? أرشيفية ?? الوضع المعيشي في لوانسك مزرٍ للغاية.
أرشيفية الوضع المعيشي في لوانسك مزرٍ للغاية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates