Okaz

قبل أيام من جنيف

- مصطفى النعمان * mustapha.noman@gmail.com

أصــبــح مـــؤكـــد­ا اســتــضــ­افــة مــديــنــ­ة جــنــيــف في الــســادس مــن سبتمبر لـقـاء تحت رعــايــة األمم املــتــحـ­ـدة بــني الــطــرفـ­ـني الـرئـيـسـ­يـني (الحكومة املعترف بها دولـيـا واالنقالبي­ون الحوثيون) بعد انقطاع استمر عامني، وسيتغيب املؤتمر الشعبي العام عن املشاركة في املشاورات/ املفاوضات ألول مرة منذ بدايات الحرب وذلك بسبب التحول في ميزان القوى داخل املناطق التي أصبحت خاضعة كليا لسيطرة الحوثيني بعد مقتل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح مطلع شهر ديسمبر .2017 الدروس التي نقرأها عن نتائج الحروب األهلية التي دمرت بلدانا قريبة وبعيدة عن منطقتنا تصل بنا إلى استخالصات عديدة لكنها أهمها على اإلطــالق هي أن تمترس أي طرف حــول فكرة التخلص مـن الخصوم واستبعادهم ال تساهم مطلقا في التوصل إلى تسويات «تاريخية» تعيد األوطان إلى بدايات مسار املصالحات الوطنية. السبب الرئيس لعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق يتيح البدء في حـوار سياسي حـول مستقبل اليمن هو أن عوامل الثقة بني أطراف الحرب منعدمة حتى اآلن، كما أن املصالح الذاتية الـتـي تراكمت تجعل األمــر شـديـد الصعوبة، وهـنـا سيكون االختبار حول نواياهم الحقيقية وارتفاع منسوب اهتمامهم باليمنيني املحاصرين والعالقني الذين سيتابعون تصرفات املجتمعني على ضفاف «بحيرة لومان»، وهي فرصة جديدة قــد تسمح بالتخفيف مــن املــعــان­ــاة اإلنـسـانـ­يـة الـتـي حرمت املاليني داخــل البالد من العيش الكريم وأنهكتهم وشردت الكثيرين خارجها. لــيــس مــن املــجــدي الـــعـــو­دة إلـــى تــاريــخ بــدايــة هـــذه الحرب فتلك مهمة يــقــوم بـهـا خــبــراء مـخـتـصـون، ولــكــن املــؤكــد أن ضمان عــدم تـكـرار أسبابها هـو األمــر الحيوي، وأعـنـي في املقدمة هنا أن امـتـالك الـسـالح مـن جماعات غير خاضعة لسلطة الــدولــة ال يــجــوز وال يـجـب الــســمــ­اح بـــه، إذ إن هذا األمـر ال يمكن له اإلسهام في الوصول إلـى سـالم واستقرار مستدامني داخــل أي بلد، وأعـلـم أن تحقيق ذلــك يستوجب وجود سلطة قوية ضامنة لحقوق الجميع وتأمينها تحت سقف املساواة واالحتكام إلى قانون واحد، وكانت هذه هي العقدة الحقيقية التي أفشلت محادثات الكويت في ،2016 واستمرار الــدوران حول هذه النقطة لن يسمح بالتقدم في أي مــن املـلـفـات املتبقية ألن األطـــراف تصر على أن التقدم في امللفات اإلنسانية يجب أن يكون مرتبطا بالتوصل إلى إطــار شامل للمفاوضات ومعرفة بنود املـسـودة النهائية، وهذه قضية غير أخالقية وال تراعي ما يعانيه الناس على األرض. ستظل ذاكرة اليمنيني الذين تابعوا االجتماعات السابقة عند مشاهد رفض الطرفني اللقاء على انفراد بصورة شخصية رغــــم مـــن كــــان يــجــمــع الــعــديـ­ـد مـــن صـــداقـــ­ات وثــيــقــ­ة، ولعل الكثيرين يتذكرون ما بذله املبعوث األممي السابق إسماعيل ولــد الشيخ إلقـنـاع رئيسي الوفدين إلــى مباحثات الكويت ليتصافحا، وكــان ذلــك مـؤشـرا على مـا أحدثته الـحـرب من دمار نفسي رغم أنها كانت في بداياتها، والجفوة اإلنسانية التي صنعتها وستدفع أثمانها أجيال من اليمنيني. األمـر شديد التعقيد لعدم قـدرة الطرفني على الحسم وعدم رغبتهم االعـتـراف بـذلـك، ومـن املـحـزن لليمنيني فـي الداخل والــخــار­ج أن آمــال الـتـوصـل إلــى تسوية تتيح لهم محاولة الـعـودة إلـى حياة طبيعية، ليست في األفــق املنظور بسبب تمسك طرف ورغبة اآلخر االستمرار في االحتكام إلى السالح، وبينهما يدفع األبرياء الثمن.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia