ضرورة تشريح زمن العاصوف
املجتمعات التي تريد الحياة املـتـجـددة واملـضـي إلــى األمــام بثقة واطمئنان وبـأقـل الـعـثـرات والـصـعـوبـات ال بـد أن تكاشف نفسها بأخطائها وتنبش في ملفات مشاكلها املاضية وتفحص األسباب الــتــي خـلـقـتـهـا والــنــتــائــج الــتــي أدت الــيــهــا وحــجــم األضـــــرار التي تكبدتها، عليها أن تـكـون أمـيـنـة وصــادقــة ومــتــجــردة فــي فحص ماضيها دون خجل أو حرج وبال تردد، وإذا لم تفعل فإنها تمارس ترحيل أخطائها الى املستقبل لتتراكم أخطاء كل مرحلة وتصبح عبئا ثقيال معطال في مرحلة ما قد يصعب التخلص من تبعاته، ولكن كيف نفعل ذلك؟. لقد بدأنا مؤخرا تفكيك مرحلة صعبة اجتماعيا وثقافيا امتدت قرابة أربعة عقود كلفتنا أثمانا باهظة على كل األصعدة، لكننا في الحقيقة بدأنا التخلص منها أو تجاوزها بقرارات من الدولة، هي قــرارات شجاعة بكل املقاييس دشنت املرحلة الجديدة التي تعيد املجتمع إلى طبيعته وفطرته اإلنسانية، لكننا يجب أن نخضع تلك املرحلة للدراسة والتشريح بشكل شفاف وأمـن وشجاع. القرارات الرسمية ليست كافية لتقدير أهمية النقلة اإليجابية التي بدأنا نعيشها إذا لـم يتعرف الجيل الحاضر مـن الشباب الــذي لـم يمر بتلك املرحلة على تعقيداتها ومالبساتها وأسبابها والتداخالت املتشابكة لـظـروف كثيرة فـي إنتاجها، ليجعل منها عظة وعبرة تحميه من االنسياق خلف أي تجربة مستقبلية سلبية تعطله. لم يكن ممكنا خالل سطوة تلك املرحلة نقدها والبحث فيها أو حتى دراستها بشكل معقول، كل من يفكر في ذلك أو يجرؤ على املحاولة يـتـعـرض لـعـاصـفـة عـاتـيـة تـطـيـح بــه مـعـنـويـا واجـتـمـاعـيـا وأدبيا وعمليا في أبشع شكل من أشكال التصفية، مواجهة ال أخالقية غير متكافئة يستخدم فيها الطرف األقوى املسيطر كل ما هو غير مباح من الوسائل واألساليب. كان يصعب جدا بل يستحيل تسليط أقل القليل من الضوء على تلك العتمة الثقيلة. وعـنـدمـا نـشـاهـد مسلسال مـثـل «الــعــاصــوف» فـإنـنـا نـشـاهـد بداية إزاحـة الستار عن تلك املرحلة بشكل علني من خالل الدراما، وبما أن لدينا روائــيــن ومتخصصن فـي علم االجـتـمـاع وعـلـم النفس وبـاحـثـن فــي األنــثــروبــولــوجــي، وبـمـا أنــه سـتـكـون لـديـنـا صناعة وإنتاج أفالم سينمائية ودور عرض، وقنوات تلفزيونية منفتحة تـقـوم بإنتاج أعـمـال درامــيــة فــإن لدينا مــادة خصبة للتغلغل في تفاصيلها بشكل علمي ورؤيــة واعية، من أجـل التأريخ ومـن أجل الوعي والثقافة، وحتى ال نعيد إنتاج أخطائنا بسبب التغافل أو التهرب من دراستها.