موقف الشعوب من التصارع الدولي باملنطقة!
كــان مـن نتائج هــذا التصارع العاملي فـي وعلى املنطقة أن أصبحت املنطقة العربية أكثر مناطق العالم اضطرابا وعـدم استقرار. إذ تتصف هذه املنطقة باالضطراب والتخبط وعـدم االستقرار املزمن، بسبب «عوامل» تكاد تكون معروفة للعامة، قبل الخاصة. فسبب ما تعيشه املنطقة مــن ضعف وتخلف واضــطــراب وتــشــرذم، يرد -عادة وكما نردد دائما- إلى العاملني الرئيسني: العامل الذاتي (الداخلي) وأبرز عناصره ومكوناته السلبية هي: سوء تفسير الدين اإلسامي الحنيف من قبل البعض (اإلساموية) املذهبية املــتــطــرفــة، الـطـائـفـيـة اإلقــصــائــيــة، االســتــبــداد السياسي...إلخ. أمــا العامل الـخـارجـي، فيتركز فــي: عــداء الحركة الصهيونية، واملــــد اإلمــبــريــالــي لــهــذه األمــــة، وسـعـيـهـمـا لـتـقـويـض العروبة واإلسام، بدءا من عقر دارهما. وقد لعبت إسرائيل - وما زالت - دورا كبيرا مدمرا فيما وصلت املنطقة إليه. ولكن االستبداد السياسي العربي كانت لـه مساهمة كبرى فـي تنفيذ املخطط الصهيوني وغيره، إضافة إلى صراع القوى العاملية العظمى والكبرى السياسي على إمكانات هذه املنطقة الهامة ومقدراتها املختلفة.
وهـــنـــاك وال شــــك، «تــــداخــــل» وثـــيـــق بـــني الــعــامــلــني الداخلي والـخـارجـي. ولــوال الـوضـع الداخلي العربي الـــرديء، ملـا تمكن العامل الخارجي من تحقيق أغلب مآربه السلبية في األرض العربية. فالعامل الخارجي نجح تماما في «تسخير» الوضع الداخلي (بأغلب معطياته) لخدمة أغــراض القوى الخارجية، وتحقيق أهدافها - الواحد تلو اآلخـر- بسهولة قياسية. بل إن معظم األهداف الخارجية الضارة تتحقق على يد عـرب...! وما زالت هذه اآللية املدمرة هي السائدة مع األسف. املنطقة كما هو معروف، ذات موقع إستراتيجي فريد، ألنها تربط بني قــارات العالم القديم الثاث، آسيا، أفريقيا، أوروبا. كما أن بها مــوارد بشرية وطبيعية هائلة، إضافة إلـى كونها تحتوي على أكبر مصادر الطاقة في العالم. حتى أصبح من الصعب، منذ نهاية الحرب العاملية الثانية، على أي قوة دولية، كبرى أو عظمى، أن تكون كذلك ما لم يكن لها نفوذ يذكر بهذا الجزء من العالم.
*** تبسيطا، نقول: إن باملنطقة اآلن تكتلني كبيرين متنافسني... األول هو التكتل الغربي بزعامة الواليات املتحدة. أما التكتل الــثــانــي املـــضـــاد واملـــنـــافـــس فــهــو يــتــكــون مـــن الـــقـــوى املناوئة حاليا للغرب، وفــي مقدمتها روسـيـا والـصـني، ومــن يسير في فلكيهما. ولكل من هذين التكتلني حلفاء من املنطقة نفسها، كما هـو مـعــروف. وكــل مـن هذين التكتلني يعمل ملـا يحقق ما يعتقد أنه مصالحه. وغالبا ما يكون سعي هذين التكتلني في اتجاه سلبي ومضاد بالنسبة ملصالح الشعوب العليا العربية واإلسامية الحقيقية. ومعظم ما يجري باملنطقة من تعاون وصـراعـات إنما سببه الرئيسي هو حـراك هذين التكتلني، في هذا االتجاه أو ذاك. الشعوب هي الطرف الثالث... وهي املعنى األصلي بما يجرى بمنطقتها، ولكن معظم شعوب املنطقة هي الحاضر – الغائب األكبر فيها، حتى اآلن. ال يعمل أي تكتل على إقامة استقرار قائم على أسس صحيحة وصلبة، عمادها الحرية والعدالة واملساواة والشورى والتكافل االجتماعي... كي تعيش األمة حرة كريمة مستقلة، في أرضها، وتتمتع بحقوقها املشروعة، وبإمكاناتها الطبيعية والبشرية، بما يحقق لها األمن واالستقرار والتقدم واالزدهـار، ويجعلها أمة تحظى بمكانة مقبولة بني أمم األرض املعاصرة. فهذا غير وارد مـن قبل االغــيــار، أطـــراف هـذيـن التكتلني، ومــن يسير في ركابهما. كل طرف بهذين التكتلني يسعى لتحقيق هدف أناني يخصه هو، وال يعنى غيره كثيرا. لـيـس فــي نــوايــا التكتلني - كـمـا يـبـدو - خـيـرا لـهـذه األمـــة، بل إن كل منهما يعمل على استغال إمكانات املنطقة لصالحه، عبر إضعاف دولـهـا، وإذاللــهــا. وأفضل وسائل إضعافها (في حساباتهم) هي: دفعها للتخبط الفكري والعقائدي، وتقسيمها وشــرذمــتــهــا، وخــلــق كــيــانــات ودويـــــــات مــتــنــافــســة ومهترئة ومـتـهـالـكـة مـنـهـا، وعــلــى أســس طائفية ومـذهـبـيـة ومصلحية خاصة.
*** يهدف املشروع االستعماري – الصهيوني إلقامة دولة إسرائيل الكبرى، سواء عبر التوسع الجغرافي، أو عبر التفوق العسكري والتقني، وتقسيم املقسمني أصــا. وبحيث يتم التحكم التام فــي هــذه املـنـطـقـة والـهـيـمـنـة عـلـى مــقــدراتــهــا، وإلــغــاء هويتها، وتشويه عقيدتها. األمر الذي سيعني ضرب العروبة واإلسام الصحيح، وسيادة الفكر الصهيوني املفسد. وهناك من يعمل، بكل ما أوتي من جهد، على مساعدة إسرائيل لبلوغ هذه الغاية البشعة، على حساب دينه وأمته، وباده... مقابل دعم صهيوني مؤقت وموقوت، ال يلبث أن يتحول إلى نبذ واستعباد ملن كان باألمس «حليفا». أمـا التكتل الشرقي، فليس لديه مشروع مماثل في تفاصيله وخـطـوطـه الــعــامــة، ولــكــن أهــدافــه تــجــاه املنطقة ال تــخــرج عن: السعي للهيمنة، وتسخير مقدرات املنطقة لخدمة مصالحها أوال. لــم تـتـرسـخ أقـــدام التكتل الـشـرقـي املــضــاد باملنطقة بعد. وبـالـتـالـي، لــم تتضح بعد تفاصيل سياساته نحو املنطقة... ومع ذلك، فلهذا التكتل أهداف مشابهة ألهداف التكتل الغربي، ووسائل متشابهة، وإن كانت غير متطابقة، مع وسائل التكتل اآلخــر. وتبقى «الكلمة» لشعوب املنطقة... فهي التي يجب أن تقرر – بعد إرادة الله – ماهية مستقبلها... مستقبل أبنائها، وأحفادها. ولهذا الحديث بقية.