Okaz

جينات آباء وجنون أوصياء

-

قرأت ألحمد أمني، وأنا طالب في املعهد العلمي في الباحة عام 0041هـــ، معلومة وردت في أحد كتبه، مضمونها أن اإلنسان صدى لكثير من اآلباء واألجداد السالفني، حينها لم يكن بعد قــد ظـهـر عـلـم (الـجـيـنـو­م) وال طـرقـت مـنـجـزاتـ­ه األســمــا­ع، كنت أستعيد ما قاله أمني وأسـأل نفسي «كم في داخلي من أصداء اآلباء واألجداد؟». عندما أتغير من فرح إلى حزن، أحكم بأن أحد أجدادي حزين، وإذا تلبستني حـالـة مـن تنسك قلت «أب مـن أسـافـي تنازعه رغـبـة فـي عـبـادة مــا»، وأصـدقـكـم أن القضية ولـــدت فـي الفؤاد أسئلة ال أجوبة شافية لها. مـنـذ أعــــوام، أثـبـتـت دراســــات أجــراهــا بـاحــثــو­ن أمـريـكـيـ­ون من جـامـعـة (بــافــلــ­و) أن الـجـيـنـا­ت الــوراثــ­يــة تتحكم فــي شخصية وطباع اإلنسان، ليكون شخصًا لطيفًا أوعنيفًا، مؤثرًا أم أنانيًا، مساملًا أم عدوانيًا، تقليديًا أم عصريًا. ورجحت الدراسات أننا ولدنا بتلك الطباع والخصال، وال دخل للبيئة وال للتعليم في ما نحن عليه من أخاق أو قناعات أو مامح. ومثلما جاء في الحديث النبوي عندما احتج زوج أبيض على والدة زوجته ابنًا أسود، فقال النبي عليه السام «نزعة عرق». نزعة العرق الواردة في الحديث منذ أربعة عشر قرنًا يؤكدها العلم الحديث، فاإلنسان ال يكتسب الطباع الحميدة، والسلوك السوي، والسمت الحسن، والقلب الطيب، وال الطباع الخبيثة، من كذب وظلم وأنانية، من املحيطني به أو من البيئة التي نشأ فيها، بل هي نتاج ما اكتسبه من الجينات الوراثية الخاصة باألبوين أو أحد األقارب. العلم ثبت قناعتي، خصوصًا أننا نأخذ %50 من املورثات من األب، %50و مـن األم. واألب واألم أخــذا مـن األجـــداد، واألجداد أخذوا من آبائهم حتى آخرهم. ونظرًا لقناعتي الراسخة بأن في داخلي مئات اآلبـاء واألمهات، ذهبت أتسلى يوميًا بالتوفيق بني رغباتهم وتطلعاتهم وجنونهم وعقانيتهم، ودخلت في تحد مع نفسي مؤما النجاح في أن ال أغضب أحدًا من سالتي املمتدة إلى آدم عليه السام. اإلشكالية الكبرى ليست في من يسكنني من اإلنس والجن، بل في تطوع أوصـيـاء بالعشرات ليحددوا اختياري، ويصوبوا مــســاري، ومــا بـني جينات اآلبـــاء وجـنـون األوصــيــ­اء هـل أكون إنسانًا كامل األهلية؟.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia