بدء معركة أردوغان احلقيقية
لــم تــكــن نـسـبـة %51 املـــؤيـــدة لــانــتــقــال مــن النظام الـبـرملـانـي إلــى الـنـظـام الـرئـاسـي بالنسبة املحمسة لسببني؛ األول أن مثل هــذه النسب مخيفة، كونها تعبر عن حالة من عدم التوازن -أو إن صح التعبيرعدم االستقرار، وعادة ما تعبر مثل هذه النسب عن اضـطـرابـات أو مسيرة متلكئة. أمــا السبب الثاني، أن حجم التعبئة الشعبية لحزب العدالة والتنمية وصلت إلــى مستويات عالية جــدا لتكون النتيجة على حـافـة الـهـزيـمـة. فــي الـثـالـث مــن نوفمبر العام 2019 ستبدأ االنتخابات الرئاسية، بحسب املادة رقم 17 من التعديات الدستورية حتى هذا التاريخ، أي بــعــد عــامــني يــحــق لــلــرئــيــس وأعـــضـــاء البرملان البقاء في مناصبهم، كما يحق للرئيس رجب طيب أردوغـــان الترشح لواليتني وهــذا مـا قـد يمكنه من البقاء فـي السلطة حتى عــام ،2029 وهــذه النقطة بالتحديد التي تبعث على القلق األوروبــي، والتي ذهـــب الــبــعــض إلـــى وصـــف هـــذه الــتــعــديــات بأنها تمنح الـرئـيـس السلطة الـديـكـتـاتـوريـة. إن املعركة الحقيقية لرجب طيب أردوغان لم تبدأ بعد، بل كانت نتيجة التصويت بـ (نعم) بداية املعركة الفعلية على املستوى الداخلي التركي أو على مستوى التحديات الدولية واإلقليمية، ويكمن التحدي األكبر للنظام الرئاسي الجديد، هو تهيئة املؤسسات التركية التي لم تعتد على هـذا النوع من الحكم، باإلضافة إلى عملية تهيئة البيئة القانونية لهذا الحكم، وسيكون هذا التحدي األكبر في تغيير عقلية الحكم التركي الـبـرملـانـي على مستوى كــل املــؤســســات. ولــهــذا كان الــكــثــيــر يـــرى فـــي هـــذه اإلصـــاحـــات عـمـلـيـة مبكرة تحتاج إلى مزيد من الوقت والتأهيل. وال تقل هذه التحديات الداخلية عن التحديات األوروبية، فأملانيا على سبيل املثال -الـدولـة التي يبلغ حجم التبادل بينها وبني تركيا نحو 30 مليار دوالر- كانت طوال التعبئة لاستفتاء، تصف التعديات الدستورية بـالـديـكـتـاتـوريـة، وعـلـى هــذا املـسـتـوى تسير الدول األوروبية التي باتت أملانيا العقل الباطن لها. ولم تخف أوروبا مخاوفها من تفرد أردوغان بالسلطة، لذا ستعيد تشكيل نفسها وفق تركيا الجديدة، وهذا بالطبع سيكون له تكاليف على االقتصاد التركي، وربما نشهد في األيام القادمة انخفاضا جديدا في مستوى الليرة التركية، بل إن تركيا القادمة ستكون أكثر دراماتيكية.التحول الرئاسي الكبير في تركيا، سـيـخـلـف تــداعــيــات مــؤثــرة عــلــى مــســتــوى الداخل، ذلك أن املدرسة األتاتوركية تم استبدالها باملدرسة «األردوغانية»، فكما أرسى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية العلمانية في تركيا، يرسي اليوم أردوغان النظام الرئاسي، ليصنع أول قطيعة «فكرية» مع التاريخ التركي الحديث.. وتتجه تركيا إلى مرحلة جديدة.