الفايدي وامليمان.. رحيل الفرسان

بجفاف حبر القلم لكاتب شجاع ونزيه يبحث عن الحقيقة والحق يفقد املجتمع صوتا يمثله وينافح عنه ويتحمل املتاعب من أجله دون مزايدات أو استرداد الثمن بطرق مشبوهة أو املقايضة بمواقفه من أجل مكتسبات مادية أو معنوية. عندما يخط كاتب من هذا النوع آخر حرف ثم يغمض عينيه ليودع الحياة نفقد بغيابه قيمة نبيلة أصبحت قليلة أو نــادرة، نفقد سالحا كان يـذود عنا ويقف أمامنا فـي وجــه الظلم والــجــور والـفـسـاد وبقية أصـنـاف وأشــكــال الرداءة. هذا النوع من املؤمنني بالرسالة الحقيقية للكتابة ال بد أن يعيش آالما هائلة وأحزانا دفينة وجراحا غائرة تنهش عمره وتعصف به، تحوله إلى رحلة من التعب املستديم واملعاناة القاسية. في يومني متتاليني فقدنا شخصني من هذا النوع، كاتبني صحفيني قد ال يعرفهما كثيرا جيل اإلعـالم الجديد أو ربما ال يعرفهما أبدًا ألنهما من رعيل الورق والحبر والقضايا القديمة التي كان نقاشها صعبا ومؤذيا آنذاك. محمد الفايدي، الذي شق طريقه في الصحافة بتعب كثير وعرق غزير، كان ال يعرف املهادنة والتراجع في طرحه الذي ينطلق بلسان املواطن البسيط ومن أجله، والذي كان هو يمثله بامتياز حتى مغادرته الدنيا. كنت أراه في األيــام السابقة ملرضه األخير صامتا ساهمًا وكأنه يتأمل تعب العمر الذي أفناه في سبيل قناعاته دون ندم رغم ما وصل به الحال من شظف العيش وقسوة الوقت. غادرنا وكأني به وقد أغمض عينيه بعد نظرة عتاب أخيرة لهذا املجتمع الذي نافح من أجله. أمــا ثـامـر املـيـمـان فـرغـم كـونـه شـاعـرًا مرهفا رقيقا إال أنــه جعل من الكتابة في الشأن العام قضيته األولى منذ وقت طويل. كانت زاويته «رزقــي على الله» مثل لغم مــزروع في الصحف العديدة التي كتب فيها، ينفجر فـي وجــه املـمـارسـات الــضــارة بحق املــواطــن والوطن. يقارع الفساد دون هـوادة وينازل أصحابه بشجاعة الفرسان وثقة املدافع عن الحق. توطدت عالقتي به منذ كتب قصيدته «الناموسة» خـالل أزمــة الــوادي املتصدع في منطقة جــازان، تلك القصيدة التي هزت الكراسي الذهبية وأقالت رئيس التحرير الذي نشرها، لتصبح مـن أهــم الـوثـائـق لـتـأريـخ تلك األزمـــة. أمــا ثـامـر الـصـديـق فلست في حالة نفسية مالئمة اآلن للحديث عنه، فأنا أحتاج وقتًا طويال لكي أستوعب فعال أنني فقدته. رحمك الله يا محمد الفايدي. رحمك الله يا ثامر امليمان.