Okaz

ثقافة الهدر و كي الوعي

- Abdulatifa­lduwaihi@gmail.com

ال تــكــاد تـمـضـي أســابــيـ­ـع إال وتــصــدمـ­ـنــا أرقـــــام وإحصاءات ودراسـات جديدة بمفاجآت قياسية سعودية جديدة. وسبب صدمتنا ليس نابعًا من سلوكياتنا وممارساتنا ذاتها، إنما هو ناتج عن مقارنة تلك السلوكيات واملمارسات بنظيرتها لدى الشعوب واملجتمعات والثقافات األخرى. لست مـن املغرمني بــاألرقــ­ام والــدراسـ­ـات واإلحــصــ­اءات مـن دون قــراءة تلك السلوكيات واملمارسات في ضوء عالقتها وارتباطها بغيرها من سلوكياتنا املرتبطة بها واملتأثرة واملـؤثـرة بها والـدوافـع التي تقف وراءهــا وتحول دون تغيير تلك السلوكيات واملمارسات في ضوء وعي صحي واقتصادي واجتماعي جديد. تحذرنا اإلحصاءات والدراسات من أننا بتنا من بني الشعوب األكثر هدرًا للمياه واألكثر هدرًا واستهالكًا للكهرباء واألكثر اســتــخــ­دامــا لــلــطــا­قــة وآخـــــر تــلــك اإلحصاءات واألرقــــ­ام طالعتنا هــذا األســبــو­ع بـأنـنـا األكثر هـــــدرًا لـــلـــغـ­ــذاء. نــاهــيــ­ك عـــن ســلــوكــ­يــات أخرى كثيرة تـبـدأ بنسبة حـــوادث الـسـيـارا­ت املرعبة فـي اململكة وال تنتهي عند الهياط واملهايط. بعضها نسب لم تصلها بعد يد اإلحصاءات واألرقــــ­ـام والـــدراس­ـــات وهــي ذات صـلـة وطيدة بنفس املرض. كالعادة انطلقت األصوات وقرعت أجراس الخطر وتنادى املنادون بحمالت الـتـوعـيـ­ة بـعـد كــل نـتـائـج صــادمــة، بعضها وصـــل لـسـن الــقــوان­ــني الكفيلة بمعاقبة أصحاب تلك املمارسات والسلوكيات. وهي إجراءات في تقديري ستحدث أثـرًا موقتا ومـحـدودا، ألن الشق أكبر من الرقعة كما يقول املثل. فـال يمكن أن تعالج سلوكا بعينه دون معالجة مـا وراء تلك السلوكيات واملمارسات من دوافع. الالوعي املحلي مثقل بممارسات وسلوكيات عمرها هو عمر الصحراء وتاريخها هو تاريخ الـبـداوة يمارسها الناس بوحي من الالوعي املثقل بالعيب االجتماعي. فال يستقيم معالجة هدر املاء، دون معالجة هدر الطاقة وال يمكن معالجة ظاهرة التفحيط وسرعة السيارات وكـثـرة الــحــواد­ث بمعزل عـن معالجة هــدر الــغــذاء وال يمكن معالجة هدر الغذاء من غير معالجة الهياط والفشخرة والتفاخر واملبالغات االجتماعية واألسـريـة، ال يمكن معالجة سلوك الهياط والفشخرة، من دون إنتاج قيم جديدة وعصرية تلبي مستجدات العصر. ال بد أوال من تعرية تلك القيم املتحجرة واملتكلسة تحت عناوين الكرم والسخاء والفخر. فشلت مؤسسات املجتمع بإنتاج قيم جديدة تشب سلوك الناس وتهذب قناعاتهم. إن أغلب حمالت التوعية التي تهدف لإلقالع عن سلوكيات أو ممارسات سيئة حسب علمي هي حمالت فاشلة والسبب أنها تتعامل مع رأس الجبل الجليدي وال تذهب بعمق الجبل الجليدي وإلى الجذور، فالجبل الجليدي الخفي وراء أغلب ممارساتنا وسلوكياتنا االجتماعية ثقافة تتحصن في الالوعي يحفزها ويستثيرها العيب االجتماعي. لقد أصبحنا كائنات تتشبث بالقشور املتوارثة دون معرفة حقيقية بمعاني ودالالت تلك السلوكيات واملمارسات التي ال شك أن بعضها كان له معنى وداللـــة فـي زمــن مـا ولـحـاجـة مــا، لكن فقر مؤسساتنا التربوية واألسرية واإلعالمية والثقافية عن إنتاج قيم جديدة عصرية هو ما جعل األجيال تلو األجيال تستنسخ تلك السلوكيات واملمارسات وتحاكيها وتتوسع بها وتبالغ بها بمعزل عن دالالتها ومعانيها تحت سطوة التقليد السطحي وإمالء الالوعي املثقل بالعيب االجتماعي. إنني أشفق على الذين يمارسون البذخ واإلسراف والــتــبـ­ـذيــر والـــهـــ­در بـجـهـل، تـحـت عــنــاويـ­ـن الكرم والـــســـ­خـــاء والــــجــ­ــود والــضــيـ­ـافــة وغـــيـــر­هـــا. إنما الكرم والسخاء والـجـود قيم بريئة مما يفعلون وبعيدة عما يظنون. الـكـرم قيمة أسمى وأعمق مما تحاول أن تجسده البلديات وأمـانـات املدن بصينية وصحون املفطحات في مداخل مدننا بشكل مقزز ويدعو للشفقة على أصحاب هذه األفكار الفقيرة فنيا وفلسفيا للتعبير عن الكرم العربي األصيل. لست ضد اإلجراء ات التي تم اتخاذها للحد من هدر املياه واإلسراف بالوالئم واملناسبات وتبذير الطاقة وغيرها مما لـم يتسن لـأرقـام واإلحصاءات والــــدرا­ســــات الـــوصـــ­ول لـــه بــعــد، فــهــذه إجـــــــر­اءات تــعــالــ­ج تــلــك السلوكيات واملمارسات في ظواهرها، لكنني أؤمــن بـأن الحل هو إنتاج قيم عصرية تقوم على استزراع ثقافة املسؤولية االجتماعية، وصناديق التكافل لأسر والـعـائـا­لت واألحــيــ­اء ومكافحة الفقر وتمكني األســر املحتاجة واملساعدة على عــالج املـرضـى وتعليم الـطـالب مــحــدودي الـدخـل وتـدريـبـه­ـم. أرى أن يكون للمؤسسات الحكومية املعنية أن تتدخل في إعادة إنتاج هذه القيم اإلنسانية اإليجابية واستثمارها بشكل عصري صحيح وإعادة توجيهها سواء تلك النابعة من قناعة دينية أو تلك النابعة من دافع اجتماعي.

للتواصل أرسل رسالة نصية إلى 88548 االتصاالت أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 156 مسافة ثم الرسالة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia