ﻣﺸﺎﻃﺮة ﻓﻲ ﺑﺆس اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ
ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ »ﻣﺎذا ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ اﻟﺤﻴﺎة؟«، ﻗﺎل ﺟﻼل أﻣﲔ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﻟﺘﺮاﺛﻴﻮن اﻟﺠﺪد«: »ﻳـــﺒـــﺪو أن ﻛــﺘــﺎﺑــﻲ )اﳌــــﺸــــﺮق اﻟـــﻌـــﺮﺑـــﻲ واﻟـــﻐـــﺮب( ﻗـﺪ ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮ ﺑﻌﺾ ﻣــﻦ ﻛـﺎﻧـﻮا أﻗــﺮب إﻟــﻰ اﻟـﺪﻳـﻦ، ﻣﺜﻞ: ﻋـﺎدل ﺣﺴﲔ وﻃــﺎرق اﻟﺒﺸﺮي، اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﻗــﺪ ﺳـــﺎرا ﺷــﻮﻃــﴼ أﺑــﻌــﺪ ﻣـﻨـﻲ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻓــﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋــﻦ ﺗـﻌـﺎﻃـﻔـﻬـﻤـﺎ ﻣــﻊ اﺗــﺠــﺎه اﻹﺳـــــﻼم اﻟـﺴـﻴـﺎﺳـﻲ، ﻓﻮﺟﺪﺗﻬﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮاﻧﻨﻲ إﻟـﻰ ﺣﻀﻮر ﻧـﺪوة دورﻳـﺔ ﻳﺤﻀﺮﻫﺎ ﻧﺤﻮ ﺳﺘﺔ إﻟﻰ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﺷﺨﺎص، ﻣﻤﻦ ﻋﺒﺮوا ﺑﺸﻜﻞ أو آﺧﺮ ﻋﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑـ)اﻟﺘﺮاث( أو )اﻷﺻﺎﻟﺔ( أو )اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ أو اﻟﺤﻀﺎري( ﻟﻴﻨﺎﻗﺸﻮا ﻓﻲ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع أو أﺳﺒﻮﻋﲔ ﻛﺘﺎﺑﴼ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺜﻴﺮ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ. وﻗــﺪ ﺣﻀﺮت ﻫﺬه اﻟــﻨــﺪوة اﻟــﺘــﻲ اﺳــﺘــﻤــﺮت ﻋـــﺪة ﺷــﻬــﻮر، ﺛــﻢ ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﻨﺪوة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﻌﺮ أﻋﻀﺎؤﻫﺎ ﺑﻘﻠﺔ ﺟﺪواﻫﺎ. ﻛﺎن ﻟـﻬـﺬه اﻟــﻨــﺪوة ﻣــﺎ ﻷﻣـﺜـﺎﻟـﻬـﺎ ﻣــﻦ ﻓــﺎﺋــﺪة اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺤﺘﺔ، ﺑﻤﻌﻨﻰ إﺗﺎﺣﺔ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﻠﻘﺎء وﺗﺒﺎدل اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﲔ أﺷﺨﺎص ﻣﺘﻘﺎرﺑﲔ ﻓﻲ اﻟﺬﻛﺎء واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ وﻧﻮع اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﳌﺜﻴﺮة ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ، وﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺒﲔ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت أن اﳌﻨﻔﻌﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣـﺤـﺪودة. ﻛـﺎن ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻣـﻦ ﻳﺴﺘﺮﺳﻞ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم ﺑﻼ ﺗﻮﻗﻒ، دون أن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻠﻞ، وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺒﺎﻟﻎ اﻟﺨﺠﻞ اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺜﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟــﻼزم ﻓـﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋـﻦ ﻧﻔﺴﻪ، وﻣﻨﻬﻢ ﻣــﻦ ﻳﻔﺴﺮ اﻟﺪﻳﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﴽ ﻏﺮﻳﺒﴼ، ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ: إن اﻟﻠﻪ ﻫﻮ اﻟﺜﻮرة، وﻣﻨﻬﻢ اﳌﺤﺐ ﻟﻠﺴﻴﻄﺮة اﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﺧﺘﻼﻓﴼ ﻓﻲ اﻟــﺮأي، وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺼﺎﻣﺖ ﻣﻌﻈﻢ اﻟـﻮﻗـﺖ... إﻟــﺦ. ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻷﺳﻒ إذن ﻟﺘﻮﻗﻒ ﻫﺬه اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت، وإن ﺳﻤﻌﺖ وﻗــﺮأت إﺷـــﺎرات إﻟــﻰ ﺑﻌﺾ أﻋـﻀـﺎء ﻫﺬه اﻟﻨﺪوة، ذﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﺳﻤﻲ أﺣﻴﺎﻧﴼ، ﻣﻘﺘﺮﻧﴼ ﺑﻮﺻﻒ )اﻟـﺘـﺮاﺛـﻴـﲔ اﻟــﺠــﺪد(. وﻫــﻮ وﺻــﻒ ﻻ ﺑــﺄس ﺑـﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺪﻗﺔ، ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﴼ ﺗﺮاﺛﻴﲔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ اﳌﻌﺎﻧﻲ، وإن اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺮاث اﺧﺘﻼﻓﴼ ﻛﺒﻴﺮﴽ، وﻛﻨﺎ أﻳﻀﴼ ﺟــﺪدﴽ ﺑﺒﻌﺾ اﳌﻌﺎﻧﻲ. وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻓـﺘـﺮة أﺻﺒﺤﺖ أﻓـﻀـﻞ أﻻ ﻳـــﺪرج اﺳـﻤـﻲ ﺑﲔ أﺳﻤﺎء ﻫﺆﻻء اﻟﺘﺮاﺛﻴﲔ اﻟﺠﺪد، إذ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺒﲔ ﻟﻲ ﻣﺪى اﻻﺧﺘﻼف ﺑﲔ ﻧﻈﺮﺗﻲ ﻟﻠﺘﺮاث وﻧﻈﺮاﺗﻬﻢ، وﻫﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻋﻠﻰ وﻓﺎق ﺗﺎم ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ، وﻟﻜﻨﻲ أدرﻛﺖ ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل أن ﺣﺮﺻﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث ﻳﺼﺪر ﻋﻦ دواﻓﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ دواﻓﻌﻬﻢ، وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻔﻬﻤﻲ وﺗﻌﺮﻳﻔﻲ ﻟﻠﺘﺮاث ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻓﻬﻤﻬﻢ وﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ، وﻧـــﻮع ﺗـﻌـﺎﻃـﻔـﻲ واﺣــﺘــﺮاﻣــﻲ ﻟـﻠـﺪﻳـﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺗﻌﺎﻃﻔﻬﻢ واﺣـﺘـﺮاﻣـﻬـﻢ ﻟــﻪ. ﻳﻤﻜﻦ أن أﺟـﻤـﻞ ﻫـﺬه اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﻓﻲ اﻟﻘﻮل ﺑـﺄن ﻧﻈﺮﺗﻲ ﻟﻠﺘﺮاث ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺴﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ، وﺗﻌﺎﻃﻔﻲ ﻣـﻊ اﻟـﺪﻳـﻦ واﺣـﺘـﺮاﻣـﻲ ﻟـﻪ وﺣـﺮﺻـﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ﻳــﻨــﺒــﻊ ﻣـــﻦ ﺗــﻌــﺎﻃــﻔــﻲ ﻣـــﻊ أﻣـــﺘـــﻲ واﺣـــﺘـــﺮاﻣـــﻲ ﻟـﻬـﺎ وﺣﺮﺻﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ، وﻟﻴﺲ اﻟﻌﻜﺲ«.
ﻓــﻲ ﺣــﺪﻳــﺜــﻪ ﻋــﻤــﺎ ﻳــﺴــﻤــﻰ اﻟـﺘـﺤـﻴــﺰ اﳌﻨﻬﺠﻲ واﳌـﻌـﺮﻓـﻲ ﻓـﻲ ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟـﺬاﺗـﻴـﺔ، »رﺣﻠﺘﻲ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺬور واﻟﺠﺬور واﻟﺜﻤﺮ«، ﻛﺎن ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﳌﺴﻴﺮي - ﺑﺨﻼف رأي ﺟـﻼل أﻣـﲔ اﻟﺘﺒﺨﻴﺴﻲ - رأي ﺗﺜﻤﻴﻨﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺪوة وﻓﻲ أﻋﻀﺎﺋﻬﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮل: »وﻫﻜﺬا أﺻﺒﺢ اﻟﺘﺤﻴﺰ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﻛﺘﺐ ﻋﻨﻬﺎ. وﻓﻲ ﻫﺬه اﻵوﻧﺔ ﺗﻌﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻷﺳـﺘـﺎذ ﻋــﺎدل ﺣﺴﲔ، اﻟــﺬي اﺗﺼﻞ ﺑﻲ ﻋﺎم ٠٨٩١ دون ﺳﺎﺑﻖ ﻣﻌﺮﻓﺔ، وأﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺮأ ﻛـﺘـﺎب )اﻟــﻔــﺮدوس اﻷرﺿــــﻲ(، وأﻧــﻪ وﺟــﺪه ﻣﺜﻴﺮﴽ، ﻓﺄﺧﺒﺮﺗﻪ أﻧﻨﻲ ﻗﺮأت ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻋﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﳌﺼﺮي ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﻼل إﻟـﻰ اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ، وأﻧـﻪ ﻳﺒﺪو أن ﻫﻨﺎك ﻧﻘﺎط ﻟﻘﺎء ﻛﺜﻴﺮة ﺑﻴﻨﻨﺎ )ﻓﺪراﺳﺘﻪ ﻣﺜﻞ ﺟﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮة ﻣﻔﻜﺮ اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻘﻮاﻧﲔ اﳌﺠﺮدة اﻟﻌﺎﻣﺔ إﻟﻰ إدراك أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ، وﻣﻦ اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ اﳌﺎدي إﻟﻰ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، وﻣﻨﻪ إﻟﻰ رﺣﺎﺑﺔ اﻹﻳﻤﺎن(، وﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺤﻦ وﺑﻌﺾ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﺘﻈﻢ، ﻣـﺮة ﻛﻞ ﺷﻬﺮ، ﻧﻘﺮأ ﻛﺘﺎﺑﴼ وﻧﻨﺎﻗﺸﻪ. ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﻀﻢ ﻋـﺪدﴽ ﻛﺒﻴﺮﴽ ﻣﻦ اﳌﺜﻘﻔﲔ ﻣﻦ اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻛﺎﻓﺔ )اﻟﺘﺮاﺛﻴﻮن اﻟﺠﺪد، ﻛﻤﺎ ﺳﻤﺎﻫﻢ أﺣﺪ اﻟﻜﺘﺎب: د. ﺟﻼل أﻣﲔ، د. ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ إﺑـﺮاﻫـﻴـﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ، د. ﺟـﻮدة ﻋﺒﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ، د. ﻫﺪى ﺣﺠﺎزي، ﺣﺎﻣﺪ اﳌﻮﺻﻠﻲ، د. ﻣـﻤـﺪوح ﻓﻬﻤﻲ، وﻛــﺎن اﻟـﺪﻛـﺘـﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻤﺎرة ﻳﻨﻀﻢ إﻟﻴﻨﺎ أﺣﻴﺎﻧﴼ(. وﻛـﺎن اﳌﻮﺿﻮع اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻫﻮ اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ«.
ﻫﻨﺎك أﺳﻤﺎء أﺧﺮى ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﳌﺴﻴﺮي وذﻛﺮﻫﺎ ﻧﺒﻴﻞ ﻣﺮﻗﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﻪ، »ﻃﺎرق اﻟـــﺒـــﺸـــﺮي... روح ﻋــــــﺬب«، اﳌــﻨــﺸــﻮر ﻓـــﻲ ﺟــﺮﻳــﺪة »اﻟــﺸــﺮوق« اﳌـﺼـﺮﻳـﺔ، وﻫــﻲ: ﺣﺴﻦ ﺣﻨﻔﻲ )وﻫـﻮ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻋﻨﻪ ﺟﻼل أﻣﲔ: »وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻔﺴﺮ اﻟﺪﻳﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﴽ ﻏﺮﻳﺒﴼ، ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ: إن اﻟﻠﻪ ﻫﻮ اﻟـﺜـﻮرة«(، وﻋﺒﺪ اﳌﻨﻌﻢ ﺗﻠﻴﻤﺔ، ووﻟﻴﻢ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻗﻼدة، وﻋﻠﻲ ﻧﺼﺎر، وأﺣﻤﺪ ﺣﻤﺪي، وﻧﺒﻴﻞ ﻣﺮﻗﺲ.
ﻛﻤﺎ أن ﻧﺒﻴﻞ ﻣﺮﻗﺲ ﻓﻲ ﺗﻌﺪاده ﻟﻸﺳﻤﺎء ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ اﺳﻤﲔ ذﻛﺮﻫﻤﺎ اﳌﺴﻴﺮي، وﻫﻤﺎ: اﺳﻢ زوﺟﺘﻪ ﻫـﺪى ﺣـﺠـﺎزي، واﺳــﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ. ﺑﺤﺴﺐ ﻫﺬا اﳌﻘﺎل، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻊ اﻧﻀﻤﺎم ﻋﺎدل ﺣﺴﲔ إﻟﻰ ﺣﺰب اﻟﻌﻤﻞ ذي اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﺎت وﺷﻐﻠﻪ ﳌﻨﺼﺐ اﻷﻣﲔ اﻟﻌﺎم ﻟﻬﺬه اﻟﺤﺰب، اﻧﻘﻄﻊ ﻧﺎدر ﻓﺮﺟﺎﻧﻲ، وﻋﻠﻲ ﻧﺼﺎر، وﻋﺒﺪ اﳌﻨﻌﻢ ﺗﻠﻴﻤﺔ، وﺟﻮدة ﻋﺒﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ، وﻛﺮﻳﻤﺔ ﻛﺮﻳﻢ، وﻣﺤﻤﺪ ﻋﺎﻣﺮ، وأﺣﻤﺪ ﻋﺎﻣﺮ، ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺪوة، وإن ﺣﺴﻦ ﺣﻨﻔﻲ، وﺟـﻼل أﻣـﲔ، ووﻟﻴﻢ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻗــﻼدة اﻧﻘﻄﻌﻮا ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻓﻘﺪ اﻟﺤﻤﺎس ﻟﻬﺎ، وإن ﻋﻘﺪﻫﺎ اﻧﻔﺮط ﺗﻤﺎﻣﴼ ﻣﻊ اﺳﺘﻐﺮاق ﻋﺎدل ﺣﺴﲔ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺎﺗﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺤﺰﺑﻴﺔ.
ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﻞ إﻟﻰ أن ﻫﻨﺎك ﺗﻀﺎرﺑﴼ ﻓﻲ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺪوة.
ﻛــــﻼم ﺟــــﻼل أﻣــــﲔ ﻋـــﻦ ﻣــﺴــﻤــﻰ »اﻟــﺘــﺮاﺛــﻴــﻮن اﻟﺠﺪد« ﻛﻼم ﻏﻴﺮ دﻗﻴﻖ، وﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻏﻴﺮ دﻗﻴﻖ؛ ﻓﺘﺴﻤﻴﺘﻬﻢ ﺑــ»اﻟـﺘـﺮاﺛـﻴــﲔ اﻟــﺠــﺪد« اﻟــﺘــﻲ أﻃﻠﻘﻬﺎ ﻋـﻠـﻴـﻬـﻢ رﻓــﺎﻗــﻬــﻢ اﻟــﺴــﺎﺑــﻘــﻮن ﻧــﺸــﺄت ﺑــﻌــﺪ ﻗــﺮاءﺗــﻪ ﻟﺒﺤﺜﻪ »اﻟﺘﺮاث واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ«، وﻗﺮاءة ﻃﺎرق اﻟﺒﺸﺮي ﻟﺒﺤﺜﻪ »اﳌﺴﺄﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺑﲔ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻮﺿﻌﻲ«، وﺑﻌﺪ ﺗﻌﻘﻴﺒﺎت ﻋﺎدل ﺣﺴﲔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺘﻲ أﻟﻘﻴﺖ ﻓﻲ ﻧﺪوة »اﻟﺘﺮاث وﺗﺤﺪﻳﺎت اﻟﻌﺼﺮ«، وﺗﻌﻠﻴﻘﺎﺗﻬﻤﺎ ﻫﻤﺎ أﻳﻀﴼ وﺗﻌﻠﻴﻘﺎت ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻤﺎرة اﻟــﺬي أﻫﻤﻞ ﻣـﺤـﻤـﻮد أﻣـــﲔ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ ﻣـﻨـﺎﻗـﺸـﺘـﻪ وﻧــﻘــﺪه، ﻣــﻊ أﻧـﻪ رﻓﻴﻖ ﺷﻴﻮﻋﻲ ﺳﺎﺑﻖ. ﻓﺠﻼل أﻣﲔ ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ اﳌﺒﺎﺷﺮ واﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ إﻃﻼق ذﻟﻚ اﻻﺳﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ اﳌﺜﻘﻔﲔ اﳌﺼﺮﻳﲔ اﻟﻴﺴﺎرﻳﲔ.
ﻓﻔﻲ ﺑﺤﺜﻪ ﻫﻮ اﳌﺸﺎر إﻟﻴﻪ آﻧﻔﴼ ﻗﺴﻢ ﻣﺎ ﺳﻤﺎه ﺑــﺎﻟــﺘــﻴــﺎرات اﻹﺻــﻼﺣــﻴــﺔ إﻟــﻰ ﺛــﻼﺛــﺔ ﺗــﻴــﺎرات ﻫـﻲ: اﻟﺘﺮاﺛﻴﻮن واﳌﺎرﻛﺴﻴﻮن واﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﻮن.
اﻟﺘﺮاﺛﻴﻮن ﻋﻨﺪه ﻫـﻢ ﺟﻤﺎل اﻟـﺪﻳـﻦ اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ وﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪه ودﻋﻮﺗﻬﻤﺎ، واﻹﺧـــﻮان اﳌﺴﻠﻤﻮن واﻟـــﺼـــﺤـــﻮة اﻹﺳـــﻼﻣـــﻴـــﺔ اﳌـــﻌـــﺎﺻـــﺮة! واﺳــﺘــﺨــﺪم ﺗﻌﺒﻴﺮ اﻟﺴﻠﻔﻲ واﻟﺴﻠﻔﻴﲔ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺗﻌﺒﻴﺮﴽ ﻣﺮادﻓﴼ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻋﻨﺪه، وﻫﻮ ﺗﻌﺒﻴﺮ اﻟﺘﺮاﺛﻴﲔ واﻟﺘﺮاﺛﻲ.
وﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻤﻦ ﺳﻤﺎﻫﻢ »اﻟﺘﺮاﺛﻴﲔ«، ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻛﺘﺐ ﻣﺮاﻓﻌﺘﲔ ﺳﻔﺴﻄﺎﺋﻴﺘﲔ. اﻷوﻟﻰ ﺗـﺤـﺖ ﻋــﻨــﻮان »ﻛـﻠـﻨـﺎ ﺗــﺮاﺛــﻴــﻮن ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﻮن«، واﻷﺧﺮى ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﻛﻠﻨﺎ أﻳﻀﴼ ﻣﻘﻠﺪون«.
ﻓﺎﳌﺘﺴﺒﺐ ﺑﺎﻟﺨﻄﺄ ﻓﻲ وﺻﻔﻬﻢ ﺑـ»اﻟﺘﺮاﺛﻴﲔ اﻟـــﺠـــﺪد« ﻛــــﺎن ﻫـــﻮ ﻛــﻤــﺎ ﺑــﻴــﻨــﺎ. وﻫـــــﺬا اﻟــﺨــﻄــﺄ ﻓﻲ إﻃـــــﻼق ﻫــــﺬا اﻻﺳـــــﻢ ﻋــﻠــﻴــﻬــﻢ ﻻ ﻳــﻘــﻞ ﺟــﺴــﺎﻣــﺔ ﻋﻦ اﻟـﺨـﻄـﺄ اﻟـــﺬي ارﺗــﻜــﺒــﻪ ﻓــﻲ ﺑـﺤـﺜـﻪ؛ ﻓــﻮﺻــﻒ دﻋــﻮة ﺟـﻤـﺎل اﻟـﺪﻳـﻦ اﻷﻓـﻐـﺎﻧـﻲ وﻣﺤﻤﺪ ﻋـﺒـﺪه واﻹﺧـــﻮان اﳌـﺴـﻠـﻤـﲔ واﻟــﺼــﺤــﻮة اﻹﺳــﻼﻣــﻴــﺔ ﺑـﺎﻟـﺘـﺮاﺛـﻴـﺔ ﻫﻮ وﺻـﻒ ﺧﺎﻃﺊ. ﻛﻤﺎ أن وﺻـﻒ اﻟﺴﻠﻔﻲ ﺑﺎﻟﺘﺮاﺛﻲ واﻟﺴﻠﻔﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ - إذا ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﺮاث وﺗـﺮاﺛـﻴـﺔ - ﻫــﻮ وﺻــﻒ ﻻ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ. ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﻻ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﺣﻨﻔﻲ وﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻋــﻤــﺎرة، رﻏــﻢ اﻃـﻼﻋـﻬـﻤـﺎ ﻋـﻠـﻰ ﺟــﺎﻧــﺐ ﻣــﻦ اﻟــﺘــﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ. ﻫﺬا ﻣﻊ اﻹﺷـﺎرة إﻟﻰ أن ﻋﺎدل ﺣﺴﲔ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻪ ﻓﻲ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﺗﻌﺒﻴﺮ »اﻟﺘﺮاﺛﻴﲔ« ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ. ﺳﺒﻘﻪ ﻓﻲ ﻫـﺬا ﻓﻲ ﺑﺤﺚ ﻣﻜﺘﻮب ﻣﻘﺪم إﻟـﻰ ﻧﺪوة أﺑﺤﺎﺛﻬﺎ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﻋﺎم ٣٨٩١.
وأﻇﻦ أن ﻃﺎرق اﻟﺒﺸﺮي ﻓﻲ اﳌﻘﺘﺒﺲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻣﻨﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن ﻣﺤﻤﻮد أﻣﲔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﻤﺎﻫﻢ »اﻟــﺘــﺮاﺛــﻴــﲔ اﻟــﺠــﺪد«، ﻓــﻲ ﺣــﲔ أﻧــﻪ ﻃــﺮح ﺗﺴﻤﻴﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ، وﻫﻲ »اﻟﺴﻠﻔﻴﻮن اﻟﺠﺪد«، وﻫﻮ - ﻛﻤﺎ ﻣﺮ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﳌﻘﺎل اﻟﺴﺎﺑﻖ - ﻟﻢ ﻳﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺐ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﻤﺎﻫﻢ »اﻟﺘﺮاﺛﻴﲔ اﻟﺠﺪد«.
ﻓــﻲ اﻟـﻘـﺴـﻢ اﻟـﺜـﺎﻧـﻲ ﻣــﻦ دراﺳـــﺔ ﺟــﻼل اﻟﻌﻈﻢ »اﻻﺳـــﺘـــﺸـــﺮاق واﻻﺳـــﺘـــﺸـــﺮاف ﻣــﻌــﻜــﻮﺳــﴼ«، اﻟـﺘــﻲ ﻧــﺸــﺮت أول ﻣـــﺮة ﻓــﻲ ﻣـﺠـﻠـﺔ »اﻟــﺤــﻴــﺎة اﻟــﺠــﺪﻳــﺪة« ﺑﺒﻴﺮوت ﻋﺎم ١٨٩١، ﻛﺎن ﻗﺪ ﻗﺎل ﻋﻦ اﳌﺜﻘﻔﲔ اﻟﺬﻳﻦ أﺳﻜﺮﺗﻬﻢ اﻟـﺜـﻮرة اﻹﺳـﻼﻣـﻴـﺔ اﻹﻳـﺮاﻧـﻴـﺔ - واﻟﺬﻳﻦ ﺻﻨﻔﺖ ﻣﺂﻻﺗﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﺂﻻت ﺛﻼﺛﺔ - ﻫﻢ: »ﺷﻴﻮﻋﻴﻮن ﺳــﺎﺑــﻘــﻮن، رادﻳـــﻜـــﺎﻟـــﻴـــﻮن ﻣــﺘــﻌــﺒــﻮن، ﻣــﺎرﻛــﺴــﻴــﻮن ﺷﻌﺒﻮﻳﻮن، ﻗﻮﻣﻴﻮن ﺧﺎﺑﺖ آﻣﺎﻟﻬﻢ«. وﻧﻌﺖ ﺗﻮﺟﻪ ﻫــﺆﻻء اﳌﺜﻘﻔﲔ ﺑــ»اﻻﺗـﺠـﺎه اﻹﺳـﻼﻣـﺎﻧـﻲ«، وﻧﻌﺖ اﳌﻔﺮد ﻣﻨﻬﻢ ﺑـ »اﻹﺳﻼﻣﺎﻧﻲ«، وﻧﻌﺘﻪ ﻫﺬا ﻛﺎن ﻧﻌﺘﴼ ﻣﻮﻓﻘﴼ )اﻧﻈﺮ ﺷﺮﺣﻲ وﺗﻌﻠﻴﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻫـﺬا اﻟﻨﻌﺖ ﻓﻲ ﻫﺎﻣﺶ رﻗـﻢ ٢، ص ٩٥ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻲ: »ﺷـﻲء ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺪ... ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ«(.
وﻟﻠﺘﻮﺛﻴﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ، ﻣﺤﻤﻮد أﻣــﲔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﺎن ﻣﻤﻦ أﺳﻜﺮﺗﻬﻢ اﻟﺜﻮرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ، وﻗـــﺪ ﻏـﻤـﺲ ﻗـﻠـﻤـﻪ ﺑـﺤـﺒـﺮ ﻣــﺎ ﺳــﻤــﺎه ﺻـــﺎدق ﺟـﻼل اﻟﻌﻈﻢ »اﻹﺳﻼﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة«.
ﻓﺒﺘﺎرﻳﺦ ١ ﻣــﺎرس )آذار( ٩٧٩١، ﻛﺘﺐ ﻣﻘﺎﻻ ﻋﻨﻮاﻧﻪ »اﻹﺳــﻼم واﻟـﺜـﻮرة«، ﻗﺎل ﻓﻴﻪ: »ﻣﻊ ﺗﻔﺠﺮ اﻟـــﺜـــﻮرة اﻟـﺸـﻌـﺒـﻴـﺔ اﻹﻳــﺮاﻧــﻴــﺔ واﻧــﺘــﺼــﺎرﻫــﺎ، أﺧــﺬ ﻳـﺘـﻔـﺠـﺮ ﺣــــﻮار ﻓــﻜــﺮي ﺣـــﻮل ﻃـﺒـﻴـﻌـﺔ ﻫـــﺬه اﻟــﺜــﻮرة ودﻻﻟﺘﻬﺎ، وﺧﺎﺻﺔ ﺣـﻮل ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ اﻹﺳـﻼﻣـﻲ. ﺛﻢ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار أن أﺧﺬ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ اﻟﺜﻮرة اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ واﻹﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ اﻟﺜﻮرة واﻹﺳـــــﻼم ﻋــﺎﻣــﺔ. وﻛـــﺎن ﻣــﻦ اﻟـﻄـﺒـﻴـﻌـﻲ أن ﻳﺮﺗﻔﻊ اﻟــﺤــﻮار إﻟــﻰ ﻫــﺬا اﳌـﺴـﺘـﻮى اﻟــﻌــﺎم... وﻟـﻬـﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟــﺜــﻮرة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻹﻳــﺮاﻧــﻴــﺔ اﺳـﺘـﻨـﻘـﺎذﴽ ﻟــﻺﺳــﻼم، واﻧﺘﺼﺎرﴽ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺘﻘﺪﻣﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺿﺪ ﻣﺤﺎوﻻت اﺣﺘﻮاﺋﻪ وﺗﻮﻇﻴﻔﻪ اﻟﺮﺟﻌﻲ«.
ﻓـــﻲ ﻣــﻘــﺎﻟــﻪ ﻫــــﺬا أﺧــــﺬ ﻋــﻠــﻰ أﻧـــــﻮر ﻋــﺒــﺪ اﳌـﻠــﻚ - اﳌﺤﺘﻔﻲ ﻣﺜﻠﻪ ﺑـﺎﻟـﺜـﻮرة اﻹﺳـﻼﻣـﻴـﺔ اﻹﻳـﺮاﻧــﻴــﺔ - اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﳌﺼﻄﻠﺢ »اﻹﺳـــﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ«، ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺗﺠﺮﻳﺪي، ﻟﻴﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮﻣﴼ ﻣﻄﻠﻘﴼ ﺷﺎﻣﻼ. ﻓﺎﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﻨﺪه - ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻘﻞ ﻋﻨﻪ - ﻳﺸﻤﻞ ﺗﺤﺮﻛﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وأﺷﻜﺎﻻ ﻣــﻦ اﻟـﺴـﻠـﻄـﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﻣــﺎ ﺑــﲔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋـﻠـﻲ وأﺣـﻤـﺪ ﻋــﺮاﺑــﻲ، وﺑــﲔ ﺑــﻦ ﺑــﺎدﻳــﺲ واﻟـﺸـﻴـﺦ اﻹﺑـﺮاﻫـﻴـﻤـﻲ وﻣـﺼـﺪق وﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ واﳌـﻠـﻚ ﻓﻴﺼﻞ وآﻳــﺔ اﻟﻠﻪ اﻟﺨﻤﻴﻨﻲ.
ﻳــﻘــﻮل ﻣــﺤــﻤــﻮد أﻣـــﲔ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ ﻧـــﺎﻗـــﺪﴽ ﻟـــﻪ: »إن اﳌـــﺤـــﺮك ﻟـــﻬـــﺆﻻء اﻟــــﻘــــﺎدة واﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﻴــﲔ ﺟـﻤـﻴـﻌـﴼ وﺑﻐﻴﺮ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻫـﻮ اﻹﺳــﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ. واﻹﺳــﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ - ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮه - ﻫﻮ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻔﻜﺮي اﻟﺸﺎﻣﻞ ﻟـﺮﻓـﺾ اﻷﻣــﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺷﻌﻮﺑﴼ ودوﻻ أن ﺗﺼﺒﺢ وﻻﻳﺔ ﻟﺤﺮوب ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻫﻲ اﻟﻴﻮم ﺣــﺮوب اﻟـﺪوﻟـﺔ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ وﻣــﻦ وراﺋـﻬـﺎ اﻟﻐﺮب. واﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ - ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮه - ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﺘﺤﺮرﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻹﻃـﺎر اﻷﻋﻢ واﻟﺪرع اﻟﻮاﻗﻴﺔ ﻟﺘﺤﺮك ﺷﻌﻮﺑﻨﺎ ﺿﺪ اﻟﻐﺰو اﻟﺤﻀﺎري«.
ﻛـــــﺎن ﻣــﺤــﻤــﻮد أﻣـــــﲔ ﻣــﺤــﻘــﴼ ﻓــــﻲ ﻧـــﻘـــﺪه ﻟــﻬــﺬا اﻟــﺘــﺤــﻠــﻴــﻞ اﻟــﺒــﺎﺋــﺲ، اﻟـــــﺬي ﻫـــﻮ ﺗــﻮﺳــﻊ ﺣــﺪاﺛــﻮي ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻣﻔﺮط ﻓﻲ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻹﺳـﻼم اﻟـﺴـﻴـﺎﺳـﻲ«، ﺑﻤﻌﻨﺎه اﻟـﻐـﺮﺑـﻲ اﻟـﻘـﺪﻳـﻢ اﻟـــﺬي ﻧﺸﺄ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ رﻓﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺷﻌﺎر اﻟـﻮﺣـﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﻣﺤﺎﺟﺔ ﻣﺤﻤﻮد أﻣﲔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺗﺸﺎﻃﺮ ﺗﺤﻠﻴﻞ أﻧﻮر ﻋﺒﺪ اﳌﻠﻚ ﺑـﺆﺳـﻪ، وﻫــﻲ اﳌـﺤـﺎﺟـﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻗــﺎل ﻓﻴﻬﺎ: »ﻋـﻠـﻰ أن اﻟـﻘـﻮل ﺑﺎﻟﺸﻴﻌﻴﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮﴽ ﻟﻨﺠﺎح ﻫــﺬه اﻟـﺜـﻮرة ﻻ ﻳﻜﻔﻲ. ﻓﻔﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺛﻮرة ﻧﺎﺟﺤﺔ، وإن ﺗﻜﻦ ﺳﻨﻴﺔ«. وﻛﺎن ﻗﺪ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻞ ﺗﺤﻠﻴﻞ آﺧﺮ ﻟﻪ: »ﺣﻘﴼ ﻟﻘﺪ ﺳﺒﻘﺖ اﻟﺜﻮرة اﻟﻠﻴﺒﻴﺔ اﻟﺜﻮرة اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻤﻞ راﻳـﺔ اﻹﺳــﻼم، وﻓﻲ ﺗﻌﻤﻴﻖ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬه اﻟﺮاﻳﺔ...«.
ﻓﻲ أول ﻋﺎم ٦٨٩١، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺿﻢ ﻣﺤﻤﻮد أﻣﲔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﺬا اﳌﻘﺎل وﻣﻘﺎﻻت ودراﺳﺎت أﺧﺮى ﻟﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب واﺣــﺪ، ﻫﻮ ﻛﺘﺎب »اﻟـﻮﻋـﻲ واﻟـﻮﻋـﻲ اﻟﺰاﺋﻒ ﻓـﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﳌـﻌـﺎﺻـﺮ«، ﻛﺘﺐ ﻓـﻲ اﻟﻬﺎﻣﺶ: »وﻟـﻘـﺪ ﻛﺘﺐ ﻫــﺬا اﳌـﻘـﺎل ﺑﻌﺪ اﻧـــﺪﻻع ﺛــﻮرة إﻳــﺮان، وﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺤﺮف إﻟﻰ ﻣﺎ اﻧﺤﺮﻓﺖ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﺼﺐ وﻧﻜﻮص ﻳﻤﻴﻨﻲ وﺗﻤﺰﻳﻖ ﻟﻮﺣﺪة اﻟﻘﻮى اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟــﺪﻳــﻤــﻘــﺮاﻃــﻴــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﺳــﺎﻫــﻤــﺖ ﻓـــﻲ اﻻﻧـــﺘـــﺼـــﺎر«. وأﺿــﺎف ﻣـﺒـﺮرﴽ ﻣﻮﻗﻔﻪ اﻟﺴﺎﺑﻖ: »ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟـــﻮﺣـــﺪة ﻛــﻤــﺎ ذﻛـــﺮ ﻫـــﺬا اﳌـــﻘـــﺎل ﻧـﻔـﺴـﻪ آﻧـــــﺬاك ﻫﻲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟـــﺜـــﻮرة، وﻻ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟــﻬــﺎ ﺑـﻐـﻴـﺮ ﻫــﺬه اﻟﻮﺣﺪة«. إن اﻟﺬي أﻣﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﻮد أﻣﲔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺿـﻢ ﻣﻘﺎﻟﻪ »اﻹﺳـــﻼم واﻟــﺜــﻮرة« ﻫـﻮ ﻓﻘﻂ ﺗﺜﻤﻴﻨﻪ ﳌﺠﺎدﻟﺘﻪ ﻣﻊ أﻧـﻮر ﻋﺒﺪ اﳌﻠﻚ وﻣﻊ أدوﻧﻴﺲ اﻟﺬي ﺗﻀﻤﻨﻬﺎ ﻣﻘﺎﻟﻪ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك أﻣﺎﻣﻪ - ﻋﻮض أن ﻳﻘﻮل ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺘﺒﺮﻳﺮ اﳌﺘﻬﺎﻓﺖ - ﻓﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﻷن ﻳﻌﺘﺮف ﺑﺄن وﻋﻴﻪ ﺑﺎﻟﺜﻮرة اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ﻛﺎن وﻋﻴﴼ زاﺋﻔﴼ.
»واﻟﻮﻋﻲ اﻟﺰاﺋﻒ« ﻫﻨﺎ ﻫﻮ »اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺰاﺋﻒ« ﺑﻤﻌﻨﺎه اﳌــﻮﺿــﻮﻋــﻲ اﳌـﺒـﺎﺷـﺮ واﻟـﺒـﺴـﻴـﻂ، وﻟﻴﺲ ﺑﻤﻌﻨﺎه اﳌﺎرﻛﺴﻲ اﻟﺬي ﻗﺎده إﻟﻰ أن ﻳﺘﺤﻤﺲ ﻓﻲ ﺗﺄﻳﻴﺪه ﻟﻠﺜﻮرة اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ، وأن ﻳﻌﻘﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻣﺎﻟﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة. وآﻣﺎﻟﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻃﺮﻳﻘﴼ إﺳﻼﻣﻴﴼ ﻟﻠﺸﻴﻮﻋﻴﺔ!
ﺑﻐﻴﺘﻲ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻄﺮاد ﻓﻲ اﳌﻘﺎل اﻟﺴﺎﺑﻖ وﻓﻲ ﻫـــﺬا اﳌــﻘــﺎل، أن ﻳــﻜــﻮن ﻣــﺪﺧــﻼ ﻟـﻠـﺤـﺪﻳـﺚ ﻋــﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﳌﺴﻴﺮي اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻋﻨﻴﺘﻪ ﺣﺼﺮﴽ ﺑﻘﻮﻟﻲ ﻓﻲ اﳌﻘﺎل اﻟﺴﺎﺑﻖ: »وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﺒﺎﻃﺄ ﻛﺜﻴﺮﴽ ﻓﻲ أن ﻳﻜﻮن إﺳﻼﻣﻴﴼ«!
وﺳـﺄﺗـﺤـﺪث ﻋـﻦ وﺟــﻮه اﻻﺗــﻔــﺎق ﺑـﲔ ﻣـﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺳـﻔـﺮ اﻟــﺤــﻮاﻟــﻲ ﻣــﻦ ﺣـﻜـﻢ ﺳـﻔـﻴـﻪ ﻋـﻠـﻰ اﻟـﺤـﻀـﺎرة اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، وﺣﻜﻤﻪ ﻫﻮ وﺟﻼل أﻣﲔ وﻋـﺎدل ﺣﺴﲔ ﻋـﻠـﻴـﻬـﺎ. وأﻋـــــﺮج ﻋــﻠــﻰ دوره ودور ﻋــــﺎدل ﺣﺴﲔ ودور ﺟــــﻼل أﻣــــﲔ اﻟــﻠــﺬﻳـــﻦ - اﺑــــﺘــــﺪاء ﻣـــﻦ ﻣـﻄـﻠـﻊ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﺎت اﳌﻴﻼدﻳﺔ - ﺳﺒﻘﺎه ﻓﻲ زﻳــﺎدة إﻓﺴﺎد دﻧﻴﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﲔ ودﻳﻨﻬﻢ ﺑﻤﺤﺎﺟﺠﺎت ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻐﻠﻮﻃﺔ. وﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺑﻘﻴﺔ.