حدود الغارة الهندية والتهديد الباكستاني
دفــعـــت الــــغــــارة الــتـــي نـفـذهـا الـطـيـران الحربي الهندي على ما قالت نيودلهي إنه مواقع لجماعة »جيش محمد« في باكستان، يوم الـــثـــلاثـــاء، الــــصــــراع بـــين الـقـوتـين النوويتين الآسيويتين إلى مقدمة المشهد الدولي.
الغارة التي نفذتها الطائرات الـهـنـديـة جـــاءت انـتـقـامـاً للعملية الانـتـحـاريـة الـتـي قــام بـهـا الـشـاب عــادل دار (عشرين عـامـاً) بسيارة مفخخة، ضـد حافلة تقل عناصر من قـوات الأمـن الهندية في ولاية جــامــو وكـشـمـيـر يـــوم ١٤ فـبـرايـر (شـبـاط)، وأسـفـرت عن مقتل أكثر من أربعين عنصراً هندياً، ما حمل رئيس الوزراء نارندرا مودي على التعهد بالانتقام؛ مشيراً إلى أن »دم الشعب يغلي« ومحذراً في الوقت ذاتـــه بـاكـسـتـان مـن أنـهـا »سـتـدفـع ثمناً باهظاً« للهجوم الـذي كانت إسلام آباد أدانته.
وتـبـدو الـغـارة الهندية وهي الأولـى من نوعها منذ سنة ١٩٧١ الــتــي تــتــجــاوز »خــــط الـسـيـطـرة« لتصل إلى مناطق داخل الأراضي الباكستانية خــارج منطقة »أزاد كشمير « التي تسيطر عليها إسلام آبـــــاد، تــبــدو تـصـعـيـداً نـوعـيـاً في المواجهة، بعد أن كانت نيودلهي تـكـتـفـي فـــي الــســابــق بــمــا تـصـفـه »بــالــعــمــلــيــات الـــجـــراحـــيـــة« عـلـى غـــرار مــا فـعـلـت بـعـد هـجـوم نـفـذه مسلحون من »جيش محمد« ضد قاعدة عسكرية هندية في منطقة أوري سـنـة ٢٠١٦. فـي ذلــك الحين اقتصر الـرد الهندي على المنطقة الــبــاكــســتــانــيــة مـــن كــشــمــيــر، ولــم يتجاوزها خلافاً للغارة الأخيرة.
وغـالـبـاً مــا تـسـعـى الـهـنـد في الــــحــــالات المــشــابــهــة إلــــى اعــتــمــاد حسابات تأخذ في الاعتبار أهمية تهدئة الشارع المحلي، الذي يطالب برد عنيف على هجمات المسلحين الكشميريين مـن جـهـة، ولا تـؤدي إلـى الانــزلاق إلـى مواجهة واسعة الــنــطــاق مــع بــاكــســتــان، مــن جهة ثـــانـــيـــة. الــــروايــــتــــان المـخـتـلـفـتـان لمجريات الغارة، التي قالت الهند إنــهــا أدت إلـــى تـدمـيـر مـعـسـكـرات تدريب للجماعة المسلحة وقضت على ٣٥٠ مـن عناصرها، فـي حين أكـــــدت إســـــلام آبـــــاد أن الــطــائــرات الهندية ألقت ذخائرها في مناطق حـرجـيـة خــالــيــة، بـعـدمـا سـارعـت مقاتلات سلاح الجو الباكستاني لاعـتـراضـهـا، تـقـولان إن الجانبين يـريـدان توظيف الـتـطـور الميداني في التعبئة السياسية لأي مواجهة مقبلة. بيد أن الحسابات الهندية بحصر التوتر بدت غير دقيقة هذه المـرة، إذ تعهد المتحدث العسكري الباكستاني الجنرال آصـف غفور وعدد من الوزراء بالرد على الغارة الــهــنــديــة »فـــــي المـــكـــان والــــزمــــان« الـلـذيـن تـخـتـارهـمـا بــلادهــم. وإذا اتسمت الـتـحـذيـرات الباكستانية بالجدية، فإن باب الصراع الهندي – الــبــاكــســتــانــي يــكــون قـــد اتـسـع لمرحلة مقبلة من التوتر.
ينبغي هنا وضـع التوقعات بـــاتـــســـاع الــــصــــراع وتــفــاقــمــه فـي إطـــارهـــا. ذلـــك أن مـسـألـة كشمير فــــقــــدت الاهــــتــــمــــام الـــــدولـــــي بــهــا، واســـتـــطـــاعـــت الــهــنــد تــصــويــرهــا كمشكلة داخلية يمكن التوصل إلى تسوية لها ضمن الأطر والقوانين والانتخابات في السياق الهندي، وأن لا علاقة لباكستان بالموضوع الكشميري، وهو ما ترفضه إسلام آبــاد بطبيعة الـحـال. عـدم اهتمام العالم بقضية كشمير، بغض النظر عـمـا تـعـنـيـه وعــدالــتــهــا بـالـنـسـبـة إلـى أصحابها المباشرين، يتلاءم مـــع الإهــــمــــال الــعــالمــي لـكـثـيـر مـن القضايا التي تمر عليها الأعـوام مـن دون أن يتحقق أي تقدم نحو الحل السياسي لها. ولا يستفيق المــجــتــمــع الــــدولــــي مـــن غـيـبـوبـتـه إلا عـنـدمـا تـنـفـجـر هـــذه الـقـضـايـا وتتحول إلى كوارث إنسانية تطال الـغـرب. هـذا الـواقـع يضع الطرفين في حال بحث محموم عن الحلفاء، فـي وقـت تنشغل الساحة الدولية بكثير من القضايا الملتهبة.
مــــن جــهــة ثـــانـــيـــة، يــظــهــر أن اتــــهــــام الــحــكــومــة الــبــاكــســتــانــيــة لمودي بمحاولة استغلال التفجير الانــتــحــاري فــي كـشـمـيـر لتحسين فــرصــه فــي الانــتــخــابــات الـهـنـديـة العامة، في أبريل (نيسان) المقبل، يـرمـي إلـــى تـفـريـغ شـحـنـة الـتـوتـر ومـنـعـهـا مــن الـتـضـخـم. فـالـدعـايـة الانتخابية بالوسائل العسكرية مـمـارسـة قـديـمـة قــدم الانـتـخـابـات ذاتها. ويكفي أن يقع حادث أمني حتى يندفع السياسيون القلقون مـن اقــتــراب مـواعـيـد الاقــتــراع إلـى الـقـفـز عـلـى الـــحـــادث، واسـتـغـلالـه لــلــحــصــول عــلــى أكـــثـــر مــــا يـمـكـن مــن الأصــــــوات. الــصــورة الأعـــرض للوضع في جنوب آسيا، لا تشير إلى إمكان خروج التوتر الحالي عن الحدود المعروفة، والتي تتلخص فـي إمـكـان وقـــوع اشـتـبـاكـات قـرب الـحـدود و»خــط الـسـيـطـرة،« نظراً إلـــى الأوضــــــاع الــداخــلــيــة لـكـل من الــدولــتــين، ووضــــع حـكـومـتـيـهـمـا للمسائل الـداخـلـيـة كـأولـويـة. في أسوأ الأحوال، قد يخوض الجانبان حـربـاً »مـنـخـفـضـة الـتـوتــر« تشبه تلك التي خاضاها في كارغيل في مرتفعات الهملايا سنة ١٩٩٩.