التركيبة الجديدة لصحافة المستقبل

للصحافة أثرها في حضارة الأمم، بل هي ثمرة من ثمرات التقدم الحضاري الذي يتصل بكثير من العلوم الإنسانية المختلفة. فهناك علاقة وثيقة بين الصحافة والتاريخ، باعتبارها من أهم الوثائق التي تستخلص منها الوقائع المختلفة، ولها صلة بالفكر واللغة، إذ إنها تمثل مرحلة من مراحل تطورها وتغيير أساليب الأداء فيها.

أما ما يربط الصحافة بالمجتمع فهي تلك العلاقة الوثيقة، إذ إن الصحافة مرآة المجتمع، تعكس ما فيه من أحداث وأفكار، وتعبر عن ثقافته وفكره وتقاليده.

حين يطرأ أي تغيير على الصحافة، انطلاقا من مبدأ الأخذ بالتحديث ومسايرة العصر الذي تنشأ فيه، غالبا ما يكون هذا التغيير مواكبا للتقدم الذي يطرأ على المجتمع، وما حققته المملكة من تطور من مختلف المجالات، كان لهذا التطور أثره الواضح في التغيير الذي طرأ على الصحافة، وعلى الكم الهائل الذي أفرزته المطابع من صحف ومجلات أسبوعية ودورية، بالإضافة إلى انطلاقتها الواعية في مجال النشر الوطني. هذا في الواقع يؤكد حقيقة التقدم الذي نعيشه وننعم به في حياتنا المعاصرة.

معظم الذين شغلوا بدراسة الحركة الثقافية في بلادنا، ورصدوا تاريخ أدبنا القومي خلال الفترات التاريخية، التي مرت بها البلاد، وما حدث في مجتمعنا وثقافتنا من تغيير، أكدوا أن الانطلاقة الحقيقية لمفكري ومثقفي هذا الوطن كانت قاعدتهم الصحافة، حتى إن الصبغة الأدبية كانت السائدة على نمطها وأسلوبها، لذلك أكدوا أن للصحافة دورا كبيرا في النهوض بالحركة الثقافية وانطلاقة أدبائها، وهو ما حدث في معظم الأقطار العربية، فقد كانت »رسالة« الزيات تؤدي دورا فاعلا ومؤثرا في الثقافة العربية ومثقفيها، وما زال هذا الأثر واضحا في المسيرة الثقافية في وطننا العربي، كما كان »لمنهل« الأنصاري أثره الجيد في ثقافتنا المحلية، حيث كانت هذه المجلة عند ظهورها مضمارا تمارس فيه الأقلام الوطنية عطاءها في مختلف ألوان الأدب: الشعر والقصة والنقد، وقد أضاء هذا العطاء الطريق لأجيال عديدة، من هذا يتضح مدى ما يمكن أن تحققه الصحافة في المجتمع وثقافته، وما يمكن أن تحققه في فعل الوعي الجمعي.

لذلك أريد أن أطرح سؤالا، وليكن هذا السؤال نقطة هامة نتوقف عندها بعد مشوار قطعناه في تجربتنا مع الصحافة وصنع الوعي الجماهيري.

ما موقف الصحافة أمام تحديات المستقبل؟!

ما مدى تجاوبنا مع كل المتغيرات التي حدثت وتحدث في عصرنا الحاضر؟!

ماذا أعددنا للثورة التكنولوجية التي تواجه العالم، وتتحدى معظم البشر، خاصة أنها تضعهم أمام نظم معلومات حديثة كانت من أبرز نتائج النهضة الحديثة، بدءا بوسائل الإعلام المتطورة، وانتهاء بالروبوت ،ROBOT وهي التي تم اختراعها لتسهم في رفع مستوى الثقافة والعلم؟

التركيبة الجديدة للصحافة الحديثة أو (صحافة المستقبل) تقوم أساسا على نظم لها صلتها بالتكنولوجيا وتتأثر بها، والقارئ اليوم غير القارئ بالأمس، فالصحافة الحديثة تخاطب طبقة واعية من القراء الذين تأثروا بالثورة التقنية، وتشبعت عقولهم بإرهاصاتها، في الوقت الذي أصبحت السيادة في علم الاتصالات والمعلومات لوسائل التقنية الحديثة التي أحدثت تغييرا شبه جذري في الأسس التربوية والثقافية والتعليمية للشعوب.

حوار الأسئلة الشائكة - 1996