Al-Watan (Saudi)

هذا ما جناه علƩي التلفزيون

- يحيى اللتيني

تعرض لنا أفلام الكرتون مشاهد من أوروبا بسهولها الخضراء وبيوتها مثلثة الأسقف الخشبية، ذات البساطة الأخاذة تحوطها الأسوار الخشبية الطبيعية، التي احتطبها الأهالي من الغابة الماطرة التي فيها كل شيء يؤكل، وكأن أكلها دائم، وفي الصباح يتساقط الثلج من أمام النوافذ الشفافة التي قسمها الطل إلى أخاديد تسترق النظر من خلالها من شرفة برزت عن هيكل الكوخ الهادئ، ثم تأتي الأم بحليب يعلوه البخار في كوب خشبي ذي عروة ألصقها الجد أو الأب بيديه أمامهم، ثم تحتضنه كفوفهم البيضاء المحمرة ليتدفؤوا به، وتدرج بين أقدامهم جديتان لا شية فيهما ناصعتا البياض، تعقلان ما يقال لهما، وتتبادلان معهما ثنائيات الغرام، ثم يخرج الأطفال للهو على ذلك السفح المخضر الذي لا يسنو ولا ييبس منذ الحلقة الأولى إلى الأخيرة! ويمر من حولهم القطار البخاري الذي يشنف الآذان بمزماره المعروف والمحبب لهم ليعزف سيمفونية الحياة والاستمرار، ثم يجرون، فتتدله منه أيدي المسافرين والمسافرات في مشهد مفعم بالود والإخاء والبهجة، وقد تسكب فيه الدمعات لأن تلك العجوز التي استرقت النظر تذكرت أحفادها الذين تاهوا عنها إبان الحرب مثلا. ومعهم ذلك الكلب الوفي الذي يحميهم من كل ساقطة ولاقطة، كأنه دثار يسير على قدمين يركبونه جميعا حين يتأخرون عن المنزل كنقل جماعي. ثم تنتهي الحلقة فنخرج من نشوتنا على لفيح وهجير يذيب السمن الحي وغبار عرم يغلق الأعين، ولا تسأل عما بعد إغلاق العينين، أو على حافة جبل قد اكفهر وجهه ويبست شجيراته ونشف شوكه كالمخايط الغلاظ، أو نخرج إلى غنم قد رسمت التربة في جلوده خريطة العالم الثالث بدرجة واحدة من الألوان. كل هذه الصورة السيميائية وكل تلك الاستعارة السينمائية المركبة في ذهن ذلك الطفل الذي قد عاش مرحلة النشوة وأسلم كل حواسه للتلفزيون سكارى وما هم بسكارى، ثم لا تريد منا أن نطمح إلى السياحة الخارجية، لا تريدنا أن نتجول في أوروبا، ولا أن نقف مثل ذلك الطفل في سواحل إندونيسيا لتسقط عليها جوزة هندية فنفترعها بساطور صدئ، لنشرب ماءها مثلما كان بيتر يقدم تلك الهدية لهايدي مثلا. وكل ذلك المجاز الذي نصحو عليه بذهن صاف ولا تريدنا أن نتقمص تلك الأدوار لنتذوق الصقيع، أو تنزلق بنا أقدامنا على الجليد أو نقرع بكنادرنا على شوارع نابولي المرصوفة تحت زخات المطر وعلينا معطف بني.. كنا في حلم جميل تقطعه علينا الصحراء القاحلة أو الوادي الذي لا تسير فيه السيارة إلا حذرة، نسينا فحوى تلك الأفلام ومواقفها الإنسانية ورجل الخير ورجل الشر، لكننا ما نسينا تلك الصورة الجميلة الحالمة.. إياكم أن تفعلوا بصغار اليوم ما كنتم تفعلون بنا، ثم تخسرون الأموال في الدعاية للسياحة الداخلية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia