Al-Watan (Saudi)

تركيا.. انقلاب عسكري أم سياسي

-

موضوع الانقلاب العسكري الذي قام به -بحسب الرواية الحكومية- فصيل من ضباط الجيش التركي الأسبوع الماضي، هو حديث الساعة والموضوع الحيوي، ليس على المستوى التركي ولا العربي والإسلامي، وإنما على المستوى العالمي أيضا؛ والسبب في ذلك هو أن تركيا دولة كبيرة جداً في محيطها الجغرافي والسكاني، وبالتالي فإن تأثيرها يمتد إلى منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.

وبصرف النظر عن التحليلات والروايات التي تحمِّل الجيش التركي كليا أو جزئيا -بعناصره المتقاعدين أو الذين على رأس العملتدبير هذا الانقلاب، وبصرف النظر عن التحليلات والروايات التي تحمِّل الحكومة (العدالة والتنمية) تدبير هذا الانقلاب، وبصرف النظر أيضا عن التحليلات والروايات التي تحمِّل المعارضة المتمثلة بجماعة الداعية محمد فتح الله كولن تدبير هذا الانقلاب، فإن السؤال الجوهري هو: ما الذي ستؤول إليه الأمور في تركيا؟

وللوقوف على الرؤية حيال هذا الموضوع لا بد بدايةً من القول إن الانقلاب العسكري في 2016 بتركيا يختلف كلياً عن الانقلابات السابقة من ناحية السيناريو، ومن ناحية النتيجة، وأيضا من ناحية الإفرازات والتبعات؛ ولذلك ربما أن تركيا قبل هذا الانقلاب ليست هي ذاتها بعده.

هنالك تبعات مباشرة لهذا الانقلاب على المستوى القصير بمدى قد يصل إلى خمس سنوات، وهناك تبعات على المستوى المتوسط بمدى قد يصل إلى عشر سنوات، وهنالك أيضا تبعات عميقة على المستوى البعيد بمدى قد يصل إلى عشرين عاماً.

والتبعات المباشرة رأيناها منذ لحظة إعلان الانقلاب، وتمثلت أولا وقبل كل شيء بخروج آلاف الأتراك إلى الشوارع معلنين رفضهم للانقلاب وتضامنهم مع الحكومة المدنية المنتخبة، فحتى الأحزاب السياسية المعارضة أعلنت موقفها التضامني مع ديموقراطية بلادها ووقوفها إلى جانب الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، على اعتبار أن الخبرة السابقة للمجتمع التركي في الانقلابات العسكرية الأربعة (1960، ‪1997 ،1980 ،1971‬ ) التي أعقبت تأسيس الجمهورية التركية، أدت إلى سيطرة الجيش على كل مؤسسات الدولة، وبالتالي التضييق على الحريات العامة وحرية التعبير في وسائل الإعلام، وإلغاء العملية الديمقراطي­ة بتجميد تداول السلطة المدنية.

ولهذا فإن المؤشرات الإيجابية لفشل الانقلاب تتمثل في تماسك الجبهة الداخلية التركية، والتقارب السياسي بين الأحزاب وتداول السلطة سلميا، وإجراء تغييرات في الجيش التركي تضمن تحييده تماما عن السياسة وإبقائه قويا لحماية حدود البلاد وحلفائها.

غير أن الانقلاب المعلن الذي لم يتم نجاحه قبل أسبوع قد أعقبته إجراءات يراها البعض مؤشرا سلبيا، وتتمثل بالإجراءات المتبعة لـ"تطهير" المؤسسة العسكرية من الانقلابيي­ن، حيث نالت هذه الحملة التطهيرية المعلنة من قبل الحكومة بعد يومين من آلاف العسكريين، ومئات القضاة، ومرشح أن تنال كل مفاصل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والإعلام والتعليم والجمعيات والمؤسسات الأهلية، وربما تفضي حملة الاعتقالات في أوساط الجيش التركي إلى خلق حالة من الاستياء الكامن، وبالتالي ربما تتوسع دائرة الانقلابات العسكرية مستقبلا، أو إضعاف الجيش وإنهاكه داخليا وخارجيا، تمهيدا لتغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، واستمرار التأهب ضد "الإرهاب" الموسوم بجماعة "كولن" الذي قد لا يتوقف عند حد معين بعد إعلان حالة الطوارئ -بمصادقة البرلمانلم­دة ثلاثة أشهر.

أما التبعات المحتملة على المستوى المتوسط، أي خلال السنوات العشر القادمة، فتتمثل بـ"السطوة الحكومية" التي سوف تعيد سياسة الحزب الأوحد المتمثل بحزب العدالة والتنمية وانضواء الأحزاب والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني تحته، وبالتالي تهميش الدستور وتداول السلطة، والافتقار إلى التعددية السياسية وعدم وجود معارضة حقيقية، وهذا ما سوف يؤدي

غير أن هنالك احتمالاً في نشوء تغيير راديكالي يتمثل في إعلان تركيا جمهورية "إسلامية" قد تحاول استعادة زعامة العالم الإسلامي وهذا يتطلب من الرئيس رجب طيب إردوغان أن يسير على خطى سلفه الرئيس مصطفى كمال أتاتورك ولكن في الاتجاه الآخر النقيض من العلمانية، الأمر الذي قد يبرر تخلص أوروبا من الالتزام بتركيا

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia