Al Araby Al Jadeed

في انتظار «إصالحيّة» بزشكيان

- معن البياري

كان طارق عزيز يسخر من التصنيف الذائع ألهل السياسة في إيران، محافظني متشددين وإصالحيني منفتحني، وكان يقول إنه تحاور بشأن بلده مع مسؤولني إيرانيني من النوعني، ولم يلحظ فرقًا بينهما. وفي أي حال، لسنا ملزمني بالتسليم بالذي رآه الوزير العراقي الراحل، فمن ألف باء السياسة أن تشتغل على الفروق والشقوق بني هذا وذاك، وهذه وتلك، كما أن محمود أحمدي نجاد ليس مثل محمد خاتمي الذي يذكرنا به وزير الصحة في خمٍس من سنوات حكمه، جـّراح القلب، مسعود بزشكيان (نحو 07عامًا) الذي صار الرئيس التاسع إليران، في انتخابات رئاسية مبكرة تغلب فيها على أربعة مرشحني نافسهم، وصـفـوا باملحافظني، فيما هو اإلصالحي الوحيد في املبارزة االنتخابية التي حسمتها جولة ثانية، كان الفتًا ارتفاع نسبة التصويت فيها، وبمشاركة أعـرض من الشباب اإليراني، وقد أبعدت األولى من بني الثالثة الذين أبعدتهم رئيس البرملان، رئيس الشرطة السابق، األصـولـي املحافظ، محمد باقر قاليباف، الــذي روجـــت «سيناريوهات» منجمني قليلني في صحافات غير قليلة بأنه الرئيس الـذي سيرث سلفه الراحل إبراهيم رئيسي. ولكن بزشكيان هو الذي أحرز الرئاسة، فيما سؤال، مسوغ، عن السبب الذي أتاح ملجلس صيانة الدستور ترشحه، بعد أن كان قد رفض هذا في رئاسيات .2021 وعلى ما قال، رفض هذا املجلس ترشحه في انتخابات البرملان في مارس/ آذار املاضي، لعدم أهليته لخوضها، بدعوى «عدم التزامه العملي بنظام الحكم»، غير أن املرشد خامنئي تدخل، وأوصى باملصادقة على أهليته. وقد يعتد بهذا املعطى من صــاروا يقولون إن ثمة إرادة في أحشاء الدولة اإليرانية نحو «نجاح» رئيس إصالحي، يكون وجهًا ناعمًا للنظام أمام الغرب، يساهم في دفع التوجه إلى إعادة االتفاق النووي الذي عطله ترامب، الرئيس املرجحة عودته إلى البيت األبيض، والذي يلزم أن يكون في مقابله في طهران رئيس بوداعة مسعود بزشكيان، إصالحي يعارض فرض الحجاب على اإليرانيات، ويقول بمقادير من الحريات السياسية. ال يــدري صاحب هـذا التعليق ما إذا كانت هندسة النتخابات الرئاسة اإليرانية جرت على نحو سمح بعبور النطاسي بزشكيان إلى قصر الرئاسة، وإن كان ال يميل إلـى هـذا االفـتـراض. سيصير هـذا تفصيال، فـاألدعـى أن يكترث بالخيارات التي سيمضي فيها الرجل، ودائمًا تحت سقوف النظام، في السياسة الخارجية، طاملا أنها التي تعنينا، نحن العرب، وطاملا أن من غير املناسب دس أنوفنا فيما ال يعنينا، من قبيل االحتجاجات الشعبية في الداخل اإليراني التي ال تنفك تعثر على مسببات لها تستجد وتطرأ، وليس مرجحًا أن تتوقف نوباتها إذا لم ينجح فريق الرئيس الجديد في حل استعصاءات اقتصادية ومعيشية ضاغطة، غير أننا هنا نلتقط ما كان قد قاله الرئيس الجديد، في حملته االنتخابية، إنه يدرك أن إصالح االقتصاد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسة الخارجية، غير أنـه حـدد حديثه هذا بشأن العالقة مع الغرب بشأن البرنامج النووي. أن يفتتح بزشكيان تصريحاته، رئيسًا، بالقول إنه يمد يد الصداقة إلى الجميع (فــي بــالده كما يـفـهـم)، فهذا كــالم كالسيكي، تشابهه أقـوالـه فـي حملته عـن يد الصداقة نفسها املمدودة إلى الجميع في الخارج (باستثناء إسرائيل). يهمنا، نحن الـعـرب، في هـذا كله موقعنا بني الجميع، وأي كيفية ستكون عليها «التسويات» التي سيهتدي بها نهجًا في تعاطيه مع ملفات الخارج. تقوى إيـران أكثر وأكثر بتمايزات نخبتها السياسية الحاكمة بني معتدلني فيها ومتشددين، بني محافظني وإصالحيني، ال سيما أنهم جميعًا يختلفون ويتفقون ويلتقون، ويتنافسون في انتخابات برملانية ورئاسية، تحت سقف أيديولوجية عقائدية، تصون الدولة، وتحت سقف إرث الخميني... ولهذا كله، وغـيـره، نصادف تباينات في معالجات أولئك وهؤالء الشأن املحلي (الحجاب وغيره)، غير أنهم، في زمن ما بعد طارق عزيز، كما هم في ذلك الزمن، بشأن العراق وغيره، ما يجعل انتظارنا «إصالحية» بزشكيان بشأننا نافال.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar