Al Araby Al Jadeed

حوار سياسي ليبي بأي معنى؟

- أسامة علي

لعل أعمق تحليل ألسباب تعثر العملية السياسية في ليبيا أنها تعيش حالة من «الفوضى السياسية». فاملتصارعو­ن على السلطة ال ينطلق أي منهم من خلفية فكرية سياسية واضحة، وكان الوقت كفيال بانهيار كل املؤسسات السياسية التي تشكلت خالل 10 سنوات بهدف بناء الدولة، كمجلسي النواب والدولة واملؤسسة العسكرية والحكومات وغيرها، لتنحصر في شخصيات بعينها، باتت هي من تمثل الصراع ملصالحها الخاصة. وآخر تجليات تلك «الفوضى السياسية» اجتماع مرتقب سينظمه مركز الحوار اإلنساني في روما اليوم وغدًا بني أنصار النظام السابق. لقد انقلب معمر القذافي برفقة عدد من صغار الضباط على حكم دستوري، ونظر لفلسفة حكم هالمية فضفاضة جعلها عنوانًا لحكم ال يحمل أي رؤية سياسية، ما مكنه من تفريغ الدولة من مؤسساتها ومنع أي تعددية أو مشاركة سياسية، كما هي طبيعة الحكم الدكتاتوري. وعقب سقوطه خالل ثورة شعبية في 2011 ترك إرثًا ثقيال ال يزال يلقي بتبعاته على املشهد، وعنوان اجتماع روما للحوار بني أنصاره أبلغ دليل. من الطبيعي واملقبول جدًا أن يتحدث سيف اإلسالم عن االجتماع، فهو نجل القذافي، وأبرز الشخصيات املحسوبة على النظام املخلوع وله أنصاره، لكن الالفت في موقفه الرافض للمشاركة فيه هو ربطه بمشاركة شخصيات من النظام السابق مقربة من اللواء املتقاعد خليفة حفتر. مثل هذا الجدل وما تثيره الكواليس الخاصة باالتصاالت واملشاورات الليبية دومًا ما يكشف عن عمق «الفوضى السياسية» املتجلية في كل االتجاهات. ففي الواقع إن أغلب من في مراكز ومفاصل الحكم في املشهد الليبي، وأكثرهم تنفذًا فيه، هم شخصيات مقربة من القذافي أو عملت لوقت طويل ضمن منظومة حكمه. يمكن تقديم قراءة سياسية ضمن تطورات املصالح الدولية في ليبيا ملحاولة التعرف إلى سبب رعاية منظمة غير حكومية، كمركز الحوار اإلنساني، واستضافة دولة كإيطاليا، الجتماع «أنصار النظام السابق» في هذا التوقيت، كالقول إنها محاوالت من القوى الغربية الختراق طيف أنصار النظام السابق الذين يتركزون في جنوب وشرق البالد، حيث تنشط موسكو في تنفيذ خططها للتمركز والتوسط في تلك األنحاء، ما يكسب القوى الغربية ورقة للضغط على املشروع الروسي بهدف عرقلته على األقل. ولكن بغض النظر عن تلك األسباب، يبدو أن هدف االجتماع يفضي إلى فهم عميق لحالة فشل العملية السياسية في البالد، وبالتالي الوصول إلى األسباب التي خلقت «الفوضى السياسية».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar