السودان: موسم عودة النازحين إلى أم درمان
عادت آالف األسر إلى مدينة أم درمان السودانية بعد نزوحها منذ اندالع الحرب في 15 إبريل/ نيسان ،2023 وال مشكالت أمنية، والخدمات متوفرة
مـــع حـــــدوث اســـتـــقـــرار نــســبــي فـــي مـديـنـة أم درمـــــان شـــمـــال الــعــاصــمــة الــســودانــيــة الـــخـــرطـــوم، بــعــدمــا حــقــق الــجــيــش تقدمًا كــبــيــرًا فـــي املــديــنــة مــنــذ فـــبـــرايـــر/ شـبـاط املــاضــي، وفـــرض سيطرته الـكـامـلـة على جـزئـهـا الـشـمـالـي تــحــديــدا، والــتــوغــل في كـــل أحــيــائــهــا الــقــديــمــة، مــثــل ودنـــوبـــاوي وبيت املــال وأبـــوروف والقماير والسوق والـــعـــبـــاســـيـــة واملـــــــــوردة وغـــيـــرهـــا، بــــدأت آالف األســـر فـي الــعــودة إلــى منازلها، ما أنهى فترة تشرد تجاوزت العام، تمهيدًا الستئناف الحياة بشكل طبيعي. حن اندلعت الحرب بن الجيش وقـوات الدعم السريع في 15 إبريل/نيسان ،2023 ووصلت إلى حي الثورة شمالي أم درمان، قـرر عبد الـوهـاب وأفـــراد أسرته مكرهن تــرك املـنـزل والــنــزوح إلــى واليـــة الجزيرة (وســـــــط)، واســـتـــأجـــر مـــنـــزال بــمــبــلــغ 400 ألـــف جنيه ســودانــي 600( دوالر)، الــذي سـدده عبر بيع الحلى الذهبية الخاصة بـزوجـتـه. وحــن انتهى املـــال فـي حـوزتـه، اعتمد على شقيقه املوجود خارج البالد ملده بقيمة اإليجار وأموال إضافية لشراء االحــتــيــاجــات الـــضـــروريـــة لـعـائـلـتـه. لكن قوات الدعم السريع دخلت والية الجزيرة فــــي ديـــســـمـــبـــر/ كــــانــــون األول املــــاضــــي، وسيطرت عليها بعدما انسحب الجيش بشكل مفاجئ منها، فـسـاءت األوضـــاع، وارتفعت أسعار السلع الضرورية وفِقد بـــعـــضـــهـــا، وخـــــرجـــــت املـــســـتـــشـــفـــيـــات عــن الــخــدمــة، وتــدهــور األمــــن، كـمـا تضاعفت أيـــام انـقـطـاع الـتـيـار الـكـهـربـائـي واملــيــاه. ورغـم ذلـك، حـاول عبد الوهاب التعايش مع الوضع السائد، وتمسك باألمل الذي كان يراه قريبًا. يـقـول عبد الــوهــاب لــ«الـعـربـي الـجـديـد»: «صبرت أكثر من ثالثة أشهر في الجزيرة. وفـــي األول مــن إبـــريـــل/ نـيـسـان املــاضــي، انـــهـــارت األوضـــــاع تـمـامـًا بـالـنـسـبـة إلـــي، فتوجهت إلى مدينة كسال (شــرق) حيث دفـعـت نحو مليون جنيه 1500( دوالر) الستئجار شقة. وتزامن ذلك مع صعود األســعــار مــع بــدايــة مــايــو/ أيـــار الــجــاري، بتأثير انهيار سعر العملة املحلية مقابل الــــــــدوالر، لــــذا اتـــخـــذت قـــــرار الــــعــــودة إلــى منزلي في أم درمان». يـــضـــيـــف: «شـــجـــعـــنـــي جـــيـــرانـــي فــــي حـي الثورة على العودة، وطمأنوني إلى عدم وجـــود مشكالت أمنية وتـوفـر الخدمات الــــضــــروريــــة. وقـــــد فـــوجـــئـــت بـــاالســـتـــقـــرار ومستوى توفر الخدمات وعمل األسواق، وتـــــزايـــــد تــــرابــــط األســــــر واملـــجـــتـــمـــع بـعـد الــــحــــرب، عــلــمــًا أنـــنـــي حــصــلــت فـــي األيــــام األولـــى لعودتي إلــى املـنـزل على وجبات من مطابخ جماعية أعدها أفـراد خيرون ومتطوعون في منظمات إنسانية». ووصــــــــــل إلــــــــى 300 عــــــــدد املـــــطـــــابـــــخ فــي الخرطوم، قبل أن يتراجع أخيرًا إلى نحو 200 بسبب قلة الـدعـم املــالــي، خصوصًا بعد انقطاع شبكة االتــصــاالت الهاتفية الـتـي كـانـت تستخدم تطبيقات مصرية لـــلـــحـــصـــول عـــلـــى أمـــــــــوال مـــــن مـــتـــبـــرعـــن. وفــي منطقة الحتانة شمالي أم درمـــان، يـتـوزع عــدد مـن املطابخ الجماعية التي تـشـرف عليها منظمات طوعية وأخــرى للمجتمع املدني، إلطعام آالف األشخاص
من السكان املحلين، أو من النازحن من أحـيـاء أخـــرى بـالـخـرطـوم، أو مـن واليــات طاولتها الحرب. وفي األسابيع األخيرة، أعلنت منظمات دولــــــيــــــة أن خــــمــــســــة مـــــاليـــــن ســـــودانـــــي يـحـتـاجـون إلـــى مــســاعــدات غــذائــيــة، وأن مــاليــن مــن األطـــفـــال مـــهـــددون بـاإلصـابـة بأمراض ناتجة عن سوء التغذية. ويذكر عبد الوهاب أن الهاجس الوحيد بالنسبة لــه وألســـرتـــه حـالـيـًا هــو وجــود أشــــخــــاص مــتــفــلــتــن يـــســـرقـــون الـــبـــيـــوت املـــهـــجـــورة، فـــي ظـــاهـــرة تـشـمـل أحـــيـــاء أم درمـــان القديمة أكـثـر مـن غـيـرهـا. وتؤكد الــســلــطــات األمــنــيــة أنــهــا تـعـمـل ملعالجة الــــظــــاهــــرة مـــــن خــــــالل تـــســـيـــيـــر دوريــــــــات مـشـتـركـة مـــع الــجــيــش «جــعــلــت الــظــاهــرة تنحسر كثيرًا في األيام املاضية». ويأمل أن تفكر سلطات والية الخرطوم واألجهزة الـتـنـفـيـذيـة املـحـلـيـة بـفـتـح املــــــدارس «ألن أبـــنـــائـــي وأبـــــنـــــاء آخــــريــــن تــــركــــوا مــقــاعــد الدراسة منذ أكثر من عـام». ويالحظ في أم درمـــان تـزايـد حـركـة الــعــودة، ومظاهر االزدحـــــــــام فــــي األســـــــــواق، وقـــــد اســتــأنــف مستشفى النو، أكبر مستشفيات شمال أم درمـــــان، الـعـمـل بـشـكـل دائـــــم. ويشمل االســــتــــقــــرار الــكــبــيــر إمـــــــــدادات الــكــهــربــاء
واملـــاء وشبكة االتــصــاالت الهاتفية، كما افتتحت بنوك فروعًا لها هناك وتسمع أحـيـانـًا أصــــوات قـصـف مـدفـعـي مـتـبـادل، لكن مصدرها أمـاكـن بعيدة عـن مساكن املواطنن. وتــخــبــر هـــيـــام «الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد» أنــهــا تسكن في األصل بمدينة الخرطوم التي ال يـزال الجزء األكبر منها تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وتنعدم فيها معظم الـخـدمـات الــضــروريــة، وأنــهــا نـزحـت إلى عدد من الواليات عانت فيها من ضغوط الــــتــــكــــالــــيــــف خــــصــــوصــــًا تــــلــــك الـــخـــاصـــة بـاإليـجـار، ثـم جــاءت إلــى أم درمـــان ألنها سمعت أن تكاليف اإليجارات أقل، وهو ما حصل فعال إذ استأجرت شقة بـ003 ألف جنيه 450( دوالرًا). وتؤكد أنها مرتاحة مـــع أفـــــراد أســرتــهــا فـــي شــمــال أم درمــــان، لكن ال راحـة نهائية إال بعد عودتها إلى منزلها في ضاحية أركويت بالخرطوم. وفــيــمــا تــتــركــز حــركــة الـــعـــودة فـــي أحــيــاء شـــمـــال أم درمــــــــان، فـــإنـــهـــا تـــبـــدو بـطـيـئـة فــــي أحــــيــــاء أخــــــرى مــــن املـــديـــنـــة الــقــديــمــة وجــــنــــوبــــهــــا، مــــثــــل بـــــانـــــت والـــعـــبـــاســـيـــة واملـــوردة، وذلــك بسبب عـدم عــودة التيار الـــكـــهـــربـــائـــي وإمــــــــــدادات املــــيــــاه، وتـنـفـيـذ سرقات في بعض األحياء.