Al Araby Al Jadeed

اإلخوان المسلمون في األردن... قيادة قديمة برداء جديد

- محمد أبو رمان

أسفرت االنتخابات الداخلية في جماعة اإلخوان املسلمني في األردن (التي أصبح يـصـطـلـح عـلـى تسميتها إمــــا «الـجـمـاعـ­ة املــحــظـ­ـورة قـانـونـيـ­ا» أو «الـجـمـاعـ­ة األم»، بــعــدمــ­ا فـــقـــدت رخــصــتــ­هــا الــقــانـ­ـونــيــة من قبل الـحـكـومـ­ة)، عــن انـتـخـاب مــراقــب عــام جديد للجماعة، هو مراد العضايلة، بعد أن نــجــح مــتــقــد­مــا عــلــى الــقــيــ­ادي الـعـريـق املــــعــ­ــروف حـــمـــزةّ مــنــصــو­ر بـــفـــار­ق صـــوٍت واحـــــد. ويــذكــر أن الـعـضـايـ­لـة هـــو، أيـضـا، األمني العام لجبهة العمل اإلسالمي، لكنه سيتخلى عــن مـوقـعـه لـشـخـص آخـــر إلـى حني االنتخابات التنظيمية القادمة في الــحــزب، إذ ال يـجـوز للعضايلة الـتـرشـح ملــنــصــ­ب فــــي الــــحـــ­ـزب مــــــرة أخـــــــر­ى بـعـدمـا استمر لدورتني أمينا عاما له. املــــفــ­ــارقــــة أن الـــــصــ­ـــراع الــــيـــ­ـوم فــــي أروقـــــة الجماعة هـو بـني تـيـار يـقـوده العضايلة وآخـــــــ­ر يــــقــــ­وده زكــــــي بـــنـــي ارشـــــيـ­ــــد، وكـــال الــرجــلـ­ـني كــانــا تـقـلـيـدي­ـا مـحـسـوبـن­ي على الجناح الصقوري في الجماعة والحزب، وكـــان هــذا الـتـيـار يــواجــه جـنـاح الحمائم والوسط في الحركة اإلسالمية، الذي كان يـضـم قـــيـــاد­ات تـاريـخـيـ­ة بــــارزة، مـثـل عبد املجيد ذنـيـبـات، وعبد اللطيف عربيات، وعبد الحميد القضاة، وجميعهم توفوا، بــيــنـمـ­ـا انـــشـــق­ـــت قــــيــــ­ادات الـــتـــي­ـــار املــعــتـ­ـدل األخـــرى بـصـورة جماعية، طـاولـت مئات األشـــخــ­ـاص مـــن الــجــمــ­اعــة والـــحـــ­زب، منذ العام ،2015 وأسـس هـؤالء حزبني: زمزم، والشراكة واإلنقاذ. األول، اندمج مع حزب الوسط قبل عامني، وأصبح اسمه اليوم الحزب الوطني اإلسالمي. والثاني، حظر من الحكومة، بعدما اتسم خطابه النقدي بـسـقـف مــرتــفــ­ع (عــلــى األقـــــل، وفـــق تقدير مراكز القرار السياسي). سعى بني ارشـيـد (الـــذي قــام بمراجعات فكرية عميقة، كما أخبرني سابقا، خالل املـرحـلـة الــتــي ســجــن فـيـهـا)، إلـــى أن يمأل فــــراغ الــجــنــ­اح املــعــتـ­ـدل، بـعـد تـالشـيـه من الحركة، فقام بترميم ما تبقى منه، مضيفا إلـــيـــه نــخــبــة مـــن الـــقـــي­ـــادات فـــي الــجــمــ­اعــة، الـتـي كـانـت مـحـسـوبـة، سـابـقـا، على تيار الـصـقـور، وضـــم إلـيـه عــديــدًا مــن الشباب، وأطــــلــ­ــق عـــلـــى تـــــيـــ­ــاره الـــجـــد­يـــد مـصـطـلـح «تــيــار الــوســطـ­ـيــة». لــكــن، مــن الـــواضــ­ـح أن غالبية الشباب في الحركة اإلسالمية هم أقــرب إلـى التيار املحسوب على الصقور حــالــيــ­ا (جـــنـــاح الــعــضــ­ايــلــة)، الـــــذي نجح خــــالل االنــتــخ­ــابــات الـتـنـظـي­ـمـيـة األخــيــر­ة فـي الحفاظ على موقعه فـي قـيـادة حزب جبهة العمل اإلسـالمـي، واآلن، تمكن من القفز إلى قيادة الجماعة، لكن، في املقابل، يحسب لبني ارشيد أنه تمكن من الصمود رغــــم الــعــقــ­بــات والـــتـــ­حـــديـــا­ت الـتـنـظـي­ـمـيـة الداخلية العديدة التي واجهها (وكان قد تقرر تجميد عضويته في الجماعة قبل أعـــــوام)، واســتــطـ­ـاع أن يبقى رقـمـا صعبا فــــي الـــحـــس­ـــابـــات الـــداخــ­ـلـــيـــة. بــاملــنـ­ـاســبــة، أوصــــــا­ف االعــــتـ­ـــدال والـــتـــ­طـــرف والـــتـــ­شـــدد والــبــرا­غــمــاتــ­يــة، هـــي لــغــايــ­ات تصنيفية، الــــيـــ­ـوم، لــفــهــم ديـــنـــا­مـــيـــكـ­ــات االســتــق­ــطــاب داخــــــل الـــحـــر­كـــة، لــكــنــه­ــا لــيــســت أوصـــافــ­ـا علمية دقيقة، ألنــه ال يوجد معيار دقيق وال اخــتــالف أيــديــول­ــوجــي واضــــح يـمـيـز، مثال، ما بني الصقوري والتيار الوسطي في أروقــة الحركة، وال يوجد خـط فاصل واضـــح سياسيا بــني الـجـنـاحـ­ني، ألنهما يـتـبـادال­ن مــواقــف الـتـشـدد والــتــرا­خــي مع الـــســـي­ـــاســـات الـــرســـ­مـــيـــة بــحــســب الـلـحـظـة الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة، وضــــمـــ­ـن مـــعـــرك­ـــة الــتــنــ­افــس الـداخـلـي فـقـط، ويمكن أن يصبح «األخ» صـــقـــور­يـــا، ويـــمـــس­ـــي «وســـطـــي­ـــا» ،)!( كما يتندر بعض أعضاء الجماعة. كـانـت الــحــال فــي الـسـابـق مختلفة، فكان هـــنـــال­ـــك الــــتـــ­ـيــــار الــــبـــ­ـراغــــمـ­ـــاتــــي املــــعــ­ــروف بخطابه العقالني الواقعي، متأثرًا بفكر راشــــــد الـــغـــن­ـــوشـــي وحـــســـن الــــتـــ­ـرابــــي فـي الثمانينيا­ت، ومعهم يوسف القرضاوي، فـــي مــقــابــ­ل تـــيـــار الـــصـــق­ـــور، الـــــذي كــــان ال يـــــزال مــمــســك­ــا بـــالـــف­ـــكـــر الــرئــيـ­ـســيــة لسيد قـــطـــب وقـــضـــي­ـــة الـــحـــا­كـــمـــيـ­ــة، ويـــمـــا­نـــع أي تــــحــــ­ول بـــراغـــ­مـــاتـــي لــلــجــم­ــاعــة أو اتـــجـــا­ه نحو االنـفـتـا­ح، ووقــف ذلــك التيار سابقا بصورة شرسة ضد تأسيس جبهة العمل اإلسـالمـي (فــي الـعـام ،)1992 ورفــض حل الجماعة حينها، ثم الحقا، قبل بالتحوالت السياسية مع محاولة الحفاظ على بعض القضايا األيديولوج­ية، بطريقة ال تخلو مـن تناقضات صـارخـة. رغـم أن الجماعة تـمـاسـكـت تنظيميا، ولـــم تـتـأثـر قـدراتـهـا وال شـعـبـيـتـ­هـا بـــفـــقـ­ــدان جـــنـــاح الــحــمــ­ائــم بالكلية، وعوض بني ارشيد ومجموعته ما يسمى «الـفـراغ املعتدل»، إال أن نزيف القيادات املعتدلة كـان له تأثير في نـواح مــــتــــ­عــــددة، فــــي صــعــيــد نـــوعـــي أكـــثـــر مـنـه كــمــيــا، وهـــو مـــا نـلـحـظـه مـــن خـــالل األزمـــة املــــفــ­ــتــــوحـ­ـــة املـــــسـ­ــــتـــــ­دامـــــة بــــــني الـــجـــم­ـــاعـــة ومؤسسات الدولة، منذ «الربيع العربي» ،)2011( إلى اليوم. مع ذلك، فإن الجماعة قامت خالل املرحلة املــــاضـ­ـــيــــة بـــقـــفـ­ــزة كـــبـــيـ­ــرة فـــــي خــطــابــ­هــا األيــــدي­ــــولــــ­وجــــي والــــســ­ــيــــاسـ­ـــي. وأطـــلـــ­قـــت الجماعة وثيقتها السياسية قبل أعوام، التي تمثل تحوال مهما في مجال القبول بالديمقراط­ية والدولة املدنية، والتخلي عـــن الــلــغــ­ة الـــدعـــ­ويـــة الــتــقــ­لــيــديــ­ة وشــعــار «اإلســالم هو الحل»، وأزالــت من نظامها األساسي اإلشارات إلى عالقتها بجماعة اإلخــــــ­ــــوان فـــــي مــــصــــ­ر، كـــمـــا أنـــــهــ­ـــا قـــامـــت بتعديالت مع الحزب في مجال استدخال املــرأة والشباب إلـى مواقع القيادة، وفي دمقرطة القيادة، والفصل بني انتخابات الحزب والجماعة، وبعديد من اإلجراء ات، التي كانت سابقا تعد من املحرمات التي تدفع بصاحبها إلــى مربعات التخوين والــــشــ­ــك، مــثــل تــبــنــي الــقــضــ­ايــا الـوطـنـيـ­ة والـــســـ­يـــاســـي­ـــة واإلصــــا­لحــــيـــ­ـة الـــداخــ­ـلـــيـــة، الــــــذي أصـــبـــح مـــنـــذ أعـــــــو­ام يـــمـــثـ­ــل ركـــيـــز­ة رئيسية في خطاب الجماعة. وفي صعيد التصورات االقتصادية، قدمت الجماعة وثـــيـــق­ـــتـــني مـــتـــتـ­ــالـــيــ­ـتـــني، خــــــالل األعــــــ­ـوام السابقة، تعكسان تحوالت أخرى بنيوية مـــهـــمـ­ــة فــــي خـــطـــاب الـــجـــم­ـــاعـــة، فـــلـــم تـعـد تتمسك بالخطاب التقليدي، الـــذي كان يكتفي بصفحة واحــدة وبـــ«اإلســالم هو الــحــل»، والــدعــو­ة إلــى تطبيق الشريعة، إذ قــــدمـــ­ـت الـــجـــم­ـــاعـــة وثـــيـــق­ـــة مــــن مـجـلـد

ثمة تساؤالت عميقة بشأن تأثير حرب غزة على عالقة الجماعة بالدولة، واعتقال مئاٍت من أفراد الجماعة وُمؤيّديها

كبير تــزدحــم فـيـه األرقــــا­م واإلحـــصـ­ــاءات فـي تشريح الـواقـع االقـتـصـا­دي، وتقديم الـــبـــد­ائـــل املــقــتـ­ـرحــة، الــتــي تـخـلـط مـــا بني مفاهيم ليبرالية ويـسـاريـة، تـحـاول من خـاللـهـا الـجـمـاعـ­ة تـقـديـم بــرنــامـ­ـج نـقـدي للسياسات الحكومية. بــالــضــ­رورة، ثـمـة تــســاؤال­ت عميقة بشأن تــأثــيــ­ر حــــرب غـــــزة عــلــى عـــالقـــ­ة الـجـمـاعـ­ة بالدولة، بخاصة بعد احتكاكات مسجد الكالوتي، واعتقال مئات من أفراد الجماعة ومـؤيـديـه­ـا (بـصـورة غير مسبوقة) على خلفية االعتصامات واملسيرات املرتبطة بغزة، وبعضهم ال يزال في السجن وقيد املحاكمة، كما نشرت وكالة رويترز تقريرًا غـريـبـا (أثــــار الـعـجـب واالســتــ­غــراب، حتى بني عدد من املسؤولني في مواقع القرار)، يـــتـــحـ­ــدث عــــن إلــــقـــ­ـاء الـــقـــب­ـــض عـــلـــى خـلـيـة مرتبطة بـ«حماس» وإيران تقوم بتهريب أســــلـــ­ـحــــة، وتــــتـــ­ـشــــكـــ­ـل مـــــن مـــجـــمـ­ــوعـــة مــن اإلخــــوا­ن املسلمني، وهــو األمـــر الـــذي فهم منه تصعيد رسمي في مواجهة الجماعة، ورســالــة لقيادتها، وهــو األمـــر الـــذي، في املـقـابـل، ينفيه مـسـؤولـون آخــــرون، يــرون أن هـنـالـك تضخيما إعــالمــي­ــا وسياسيا مـــتـــعـ­ــمـــدًا لـــلـــحـ­ــادثـــة مــــن بـــعـــض الــجــهــ­ات السياسية في الداخل وفي الخارج. على أي حال، فإن املفارقة األخـرى تتمثل فـــي إعـــــالن الــجــمــ­اعــة قــــــراَر املـــشـــ­اركـــة في االنـتـخـا­بـات النيابية املقبلة (سبتمبر/ أيـلـول ،)2024 بعد يـــوم واحـــد مـن تمكني الـتـيـار «املـــتـــ­شـــدد» مــن اإلمـــســ­ـاك بمقاليد القيادة، وكأنه يوجه رسالة باالستعداد لـــــالنـ­ــــفـــــ­تـــــاح عـــــلـــ­ــى املـــــشـ­ــــهـــــ­د الــــســـ­ـيــــاســ­ــي واالنـــتـ­ــخـــابــ­ـي، وبـــمـــح­ـــاولـــة ردم الــفــجــ­وة املتنامية والعميقة مع مؤسسات الدولة، وهــــو أمــــر (أي ردم الـــفـــج­ـــوة)، مـسـتـبـعـ­د تماما، فقد جرت مياه كثيرة تحت األقدام (خــــــالل الـــعـــق­ـــديـــن األخــــيـ­ـــريــــن)، لـــكـــن، فـي املــقــاب­ــل، فــــإن مــؤســســ­ات الـــدولــ­ـة ستشعر باالرتياح والرضا ملشاركة الحركة، التي ما زالت تمثل القوة املعارضة الكبرى في الـــبـــا­لد، بــاإلضــا­فــة إلـــى أنــهــا األكــثــر قــدرة على تمثيل قاعدة اجتماعية مهمة، وهم األردنــــ­ـيـــــون مــــن أصــــــول فــلــســط­ــيــنــيـ­ـة، فـي النظام السياسي، إذ لم يتمكن أي تيار أو حـزب، حتى اآلن، من كسر قـدرة الجماعة على النفوذ الشعبي في هذه األوساط.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar