العيد يذّكر السوريين بأنهم مسحوقون
مــــع اقــــتــــراب عـــيـــد الـــفـــطـــر كــــل عــــــام، يــبــدأ الــــســــوريــــون بــتــحــضــيــر لــــــــوازم إحـــيـــائـــه عبر شـــراء حـلـويـات ومـابـس خصوصًا لـــأطـــفـــال، لــكــن األوضـــــــاع االقـــتـــصـــاديـــة الـصـعـبـة تـــنـــغـــص الــــفــــرحــــة لــــــدى غـــالـــبـــيـــتـــهـــم. يــــقــــول أيــهــم املكاسبة (اسم مستعار ملوظف حكومي في مدينة درعا)، وهو أب ألربعة أطفال، لـ «العربي الجديد»: «بت أتمنى أال يكون العيد موجودًا ألنه يذكرني كـم نحن مسحوقني، ويضعني فـي مواجهة غير مــتــكــافــئــة بـــني أحـــــام أطـــفـــالـــي الــبــســيــطــة، وواقــــع عـيـشـي بـحـيـلـة قــلــيــلــة». مـــن جــهــتــه، يــقــول جميل السالم (اسم مستعار ملوظف حكومي)، لـ«العربي الــجــديــد: «يـكـفـي راتـــبـــي بـصـعـوبـة لـتـسـديـد ثمن الطعام في الشهر الواحد، وسعر كيلوغرام أبسط أنواع الحلويات العربية التي كنا نشتريها سابقًا ملــائــدة الـعـيـد يبلغ نـحـو 350 ألـــف لـيـرة (يـسـاوي الـدوالر الواحد نحو 13.500 ليرة سورية)، وهذا يفوق راتبي، لذا لم اشتر إال كيلوغرامًا واحدًا من البرازق وكيلوغرام غريبة، وطلبت من البائع أال يضعها في علبة مزينة بصور حلويات فاخرة، بل في صحن باستيكي أبيض مغلف كي ال يرى أوالدي الـــصـــور، ويــشــعــروا بــغــصــة». وفـــي حلب التي كــان سكانها يعيشون فـي رخــاء اقتصادي قبل الحرب، تقول نائلة عبد القادر، وهي مدرسة، لـ«العربي الجديد»: «استنفد شهر رمضان كل ما أرسله إلي شقيقي املهجر في أملانيا مطلع الشهر لتأمني وجبات اإلفطار، فأقل وجبة لعائلتي كلفت أكثر من 250 ألف ليرة. وإذا قررت أن أشتري للعيد نصف قائمة الحلويات التي اعتدت أن أشتريها في األعـوام السابقة أحتاج إلى أكثر من 600 ألف لــيــرة، لـــذا صنعت بـعـض الـحـلـويـات فــي املــنــزل». ويـــتـــراوح سـعـر الـكـيـلـوغـرام الـــواحـــد مــن الــبــرازق والـــغـــريـــبـــة فــــي مــعــظــم مـــنـــاطـــق حـــلـــب الــخــاضــعــة لـسـيـطـرة الــنــظــام بــني 40 و05 ألـــف لــيــرة بحسب جــــودة املــنــتــج، فـيـمـا يـبـلـغ ســعــر قـطـعـة الـــوربـــات بالجوز والقشطة 10 آالف ليرة، وقد يصل إلى 15 ألفًا بحسب نوع السمن والحشوة. وعـــن مــابــس الــعــيــد، أعـــــادت عــبــد الـــقـــادر تــدويــر مـــابـــس مــــن الـــعـــيـــد املــــاضــــي، وأجـــــــرت تــعــديــات عليها أو أعــــادت صبغها كــي ال تــحــرم أطفالها مـن فرحة العيد. مـن جهته، يبرر صاحب متجر حــلــويــات فــي حـلـب ارتـــفـــاع األســـعـــار بــغــاء مــواد الــــخــــام، مـــثـــل الـــســـكـــر والــــزيــــت والـــســـمـــن، ومـــــواد تشغيل األفــران مثل الغاز واملـــازوت. وعن أسعار الحلويات في طرطوس وحمص وحماه، فيتراوح سعر الـكـيـلـوغـرام الــواحــد بـجـودة منخفضة بني 35 ألـف ليرة للبرازق 200و ألـف للمعمول، فيما تـــتـــجـــاوز أســـعـــار بــعــض أنــــــواع حـــلـــويـــات الـقـطـر وحشوات املكسرات والقشطة 400 ألـف ليرة، لذا يصنع معظم الناس حلويات في منازلهم بهدف الـتـوفـيـر. وأمـــا ثـيـاب األطــفــال فــي الـعـيـد فتسعى جمعيات وفرق مدنية إلى تأمني قسم معقول من مابس العيد ألطفال من خال مبادرات يدعمها مغتربون لـتـوزيـع مـابـس أو منح مبالغ مالية. وبــالــتــأكــيــد لـيـسـت مــنــاطــق إدلــــب وشـــمـــال غـربـي سورية أفضل حاال. ويظهر جليًا ضعف عمليات الشراء لدى غالبية السكان الذين باتوا تحت خط الـفـقـر بـسـبـب مـــا تـعـيـشـه املـنـطـقـة مـــن غـــاء وقـلـة فرص العمل ومصادر الدخل. وخــال جولة في أســواق سـرمـدا، اكتفت النازحة سـمـيـة الــعــبــود بـــشـــراء 2 كــيــلــوغــرام مـــن الـطـحـني وكيلوغرام من العجوة وآخر من السمنة النباتية لصنع معمول العيد ألطفالها، ولو بكمية بسيطة، «ألن مجرد وجودها في املنزل يكفي إلبعاد قهر الحرمان من الشعور بفرحة العيد عنهم». تضيف فـي حديثها لـ«العربي الـجـديـد»: «تــزداد األسعار كل عام في حني تتغير األوضاع املعيشية مـــن ســيــئ إلــــى أســــــوأ، ســـــواء عــلــى صــعــيــد أجـــور الـعـمـال أم زيــــادة فـــرص الـعـمـل. وزادت األوضـــاع البائسة هــذا الـعـام بعد توقيف مشاريع إغاثية فتضاعفت أعباء تأمني املــواد الغذائية». وتشير إلى أنها قللت الكثير من تحضيرات العيد، وبدال من تنويع الحلويات اكتفت بنوع واحد، وبدال من شراء مابس كاملة للعيد ألطفالها اكتفت بشراء اليسير من دون إكسسوارات وأحذية.