عن سباِق التسلّح العالمي وإسرائيل أكبر مسـتورد
يتحول الشرق األوســط إلى مخزن سالح الــعــالــم، وعــلــى حــافــِة االنـــــزالق إلــــى بـــؤرِة صـراعـاٍت ونـزاعـاٍت طويلِة األمــد، وتذهُب أغلب مبيعات األسلحة إلـى إسرائيل من الــواليــات املـتـحـدة وأملــانــيــا، وهــو االتـجـاه الــــــذي ســـلـــطـــت الــــحــــرب فــــي غـــــــزة الـــضـــوء عليه. في حني تقول دول، ومنها فرنسا، إنها أوقفت الـصـادرات، وتظل تعاقداتها مـع إسـرائـيـل متواضعة ومـجـرد خطوات رمزية، كما الـدول التي أوقفت صادراتها كـــلـــيـــا أو جـــزئـــيـــا مـــثـــل إيـــطـــالـــيـــا هـــولـــنـــدا، اليابان، إسبانيا، بلجيكا، وجمدت كندا العقود الـجـديـدة فـقـط، فـي حـني تتواصل وارادات السالح األميركي نحو إسرائيل، %68 بـــني الــعــامــني 2013 ،2022و %28و من أملانيا في بيانات معهد استوكهولم ألبـحـاث الـسـالم . بعد «طــوفــان األقـصـى» عــــادت إســرائــيــل تـتـسـلـح بــصــورة هـائـلـة، إذ تحولت إلى أكثر مستورد للسالح في العالم. ومــا أعـلـن عنه مـن صفقات سالح أميركية بات يتجاوز 18 مليار دوالر. تـــطـــور جــيــوســيــاســي يــشــيــر إلــــى ارتـــفـــاع نسبة اإلنفاق العسكري الكبير في املنطقة وفــــي بـــلـــدان الـــعـــالـــم، خـــاصـــة األوروبــــيــــة، خــــــالل الـــعـــامـــني املــــاضــــيــــني، وفــــــي بــــلــــدان عـــديـــدة، حـيـث تــبــرز أقـــطـــاب جـــديـــدة، مثل الصني والهند واليابان وأملانيا، في مسار متناقض مع مسار التحول البيئي، ووفقا ملـبـادئ السلم واألمـــن الـدولـيـني والقانون الـــــدولـــــي، لـــجـــهـــة حـــظـــر اســــتــــخــــدام الـــقـــوة فـي الـعـالقـات الـدولـيـة، وبـــأن يـكـون هناك تفكير استراتيجي وتعاون دولي للتغلب على هـذا التناقض. مسرح أحـــداث جديد حساس جدا فيما يتعلق بمواقف منظمة حلف شمال األطلسي من الحرب الروسية فــي أوكــرانــيــا بـعـد االنـتـخـابـات الرئاسية األميركية املقبلة، وال سيما أنه سيكون من الصعب الحديث عن انتصارات كبرى في أرض املعارك أو تحقيق تغيرات جغرافية على الـحـدود بني أوكرانيا وروسـيـا التي اجتاحت أراضي األخيرة منذ عامني. آخــــر مـــا يــحــتــاج إلــيــه الــعــالــم هـــو أسـلـحـة جـــــديـــــدة، وحــــــــروب ال تــســتــقــر وال تــبــدو مالمحها تتضح بحسم أو نهائي، وهو بـصـعـوبـة نــجــح فـــي الــتــعــافــي مـــن كوفيد 91، ومن ضيق التنفس ومعاناة التدهور في الوضع العام االقتصادي، من دون أن تــبــدو قـــوة كــبــرى قــــادرة عـلـى دفـــع النمو، مع انخفاض الناتج العاملي بنسبة 7 في املــئــة، ونــزعــة الحمائية وتــحــديــات املناخ واملديونية العامة الفائقة. يشير تقرير معهد استوكهولم ألبحاث الـــســـالم (ســـيـــبـــري)، الـــصـــادر حــديــثــا، إلــى أن واردات األسلحة إلــى أوروبـــا قـد زادت بحدة. وتحتل أوكرانيا مساحة مهمة في تداعياتها على قضية التصنيع العسكري واإلنفاق عليه في السنوات املقبلة. اإلنـفـاق العسكري زاد للعام السابع على الـــتـــوالـــي، وتــشــكــل خــمــس دول، الـــواليـــات املـــتـــحـــدة والــــصــــني والـــهـــنـــد وبــريــطــانــيــا
وروسيا، %62 من اإلنفاق العاملي. تحتل الـــواليـــات املـتـحـدة املـرتـبـة األولــــى بنسبة ،%14 وتــمــثــل %40 مـــن عــمــلــيــات تــوريــد األســـلـــحـــة الـــعـــاملـــيـــة، وال تـــــزال بـــال مــنــازع تــتــصــدر قــائــمــة الـــــدول األكـــثـــر إنـــفـــاقـــا من الناحية العسكرية (أكثر من الصني ثالث مـــرات وعـشـرة أضـعـاف روســيــا)، فـي حني دخلت الهند والسعودية في نادي الكبار. الــــالفــــت فــــي الـــتـــقـــريـــر، هــــو الـــخـــســـائـــر فـي صـادرات األسلحة الصينية بنسبة .%23 فشلت الصني في اختراق بعض أهم أسواق الدفاع ومنافسة األميركيني واألوروبيني في معظم دول الشرق األوسط، فيما يقول عـلـمـاء أمـيـركـيـون إنــهــا تـعـكـف عـلـى بناء صوامع للصواريخ النووية ما يعزز القلق من مضاعفة مخزونها النووي (أزيـد من 300 رأس حربي نووي). وفقا ألحدث البيانات في املعهد، أكثر من مائة شركة ســالح تحقق مبيعات بــ 597 مــلــيــار دوالر، واإلنــــفــــاق الــعــســكــري شهد زيــــادات تاريخية خــالل الــعــام ،2021 فقد تجاوز للمرة األولى نحو تريليوني دوالر. أوروبــــا شـهـدت أعـلـى زيـــادة فـي 30 عاما، أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة. أصـــبـــحـــت أكـــثـــر مـــســـتـــورد لــأســلــحــة فـي العام .2022 االرتـفـاع املستمر في اإلنفاق العسكري العاملي خــالل السنوات العشر األخيرة، هو عالمة على أن العالم يعيش في عالم يتزايد فيه انعدام األمن. يتحول األوروبيون الى اإلستثمار أكثر في حلف شمالي األطلسي بنحو أربعمئة وسبعني
مــلــيــار دوالر فـــي الـــدفـــاع، مـــا يـمـثـل 2 في املـئـة وأزيـــد مـن الناتج املحلي اإلجمالي. والــرئــيــس الـفـرنـسـي، إيـمـانـويـل مــاكــرون، يـحـذر مـن «الـقـضـاء على أوروبـــا فـي حال انتصار فاديمير بوتني في أوكرانيا». سجلت فـرنـسـا (املــرتــبــة الـثـالـثـة) بــزيــادة أكبر نسبة %44 مـن الــصــادرات، فـي حني سجل تراجع حاد بنسبة %3.5 من تجارة األسلحة األملانية، في حني ال تزال الواليات املتحدة األميركية تتصدر اإلنفاق بواقع 877 مليار دوالر، تليها الصني 292 مليار، روسيا 84 مليار، وال تزال أملانيا في املركز
ّـا. يظهر التقرير انخفاضا كبيرا بالتسلح في أفريقيا، التي شهدت تراجعا بنسبة %40 ، ولكن هـذا ال يعني أن األمـــــــور أكـــثـــر ســــامــــا هــــنــــاك، وهـــنـــاك الـعـديـد مــن الــنــزاعــات، وتــعــد مـالـي مـثـاال على تقدم روسيا في أفريقيا، والسودان مـثـاال آخــر على الـنـزاعـات الداخلية. فيما احتلت تركيا املرتبة %27 فقط في اإلنفاق على التسلح من 2018 إلى .2022 وفـــقـــا لــلــبــيــانــات، يــشــيــر الــتــقــريــر إلــــى أن دول الشرق األوسـط تستمر في لعب دور رئيسي في سباق التسلح العاملي . تظهر األرقــــام أن بعض الـــدول العربية تشتري كميات كبيرة من األسلحة، وتعد بني أكبر املستوردين للساح في العالم، وال سيما دول مــثــل الـــســـعـــوديـــة ومـــصـــر والـــجـــزائـــر واإلمـــــــــارات، حــيــث تــســتــحــوذ هــــذه الــــدول على نصف قائمة أكبر عشرة مستوردين لـلـسـاح فــي الـــعـــالـــم. تـــعـــزى الـــزيـــادة في اإلنــــفــــاق إلــــى الـــحـــاجـــة إلــــى تــعــزيــز األمـــن الـــقـــومـــي واملــــوقــــف الــجــيــوســيــاســي لــهــذه الـــدول، وتقويةعاقاتها بـالـدول العظمى املــــصــــدرة لــلــســاح وصــاحــبــة الــنــفــوذ في املنطقة، وحماية مصالحها من أي تهديد
ٍّ مـــحـــتـــمـــل. فـــتـــشـــتـــري الـــــــدول الـــعـــربـــيـــة كـــل عــام ثلث أسلحة الـعـالـم، فـي الـوقـت الـذي تذهب فيه نحو نصف صـادرات األسلحة األمـــيـــركـــيـــة إلـــيـــهـــا، (الـــســـعـــوديـــة وحـــدهـــا %24 مـــن مــجــمــل الــــصــــادرات األمــيــركــيــة، وتــضــاعــفــت واردات مــصــر مـــن األســلــحــة ثــاث مــــرات، أكـبـر مـسـتـورد لألسلحة في الـــعـــالـــم بـــني عـــامـــي .)2019-2015 أيـــضـــا، تتغذى مبيعات األسلحة الحالية بفعل التوتر املستمر مع طهران، خاصة مع قرار األمم املتحدة برفع حظر التسلح املفروض مـنـذ الــعــام 2007 ، وآخــــر مــا تـحـتـاج إليه املنطقة هو أسلحة إيرانية جديدة تتحدى العقوبات الصارمة عليها. هناك أحداث متزايدة تجعل سباق التسلح بوتيرة عالية، من نوع التنافس املغربي/ الــجــزائــري عـلـى شــــراء الــســاح ( الـجـزائـر 100 مليار دوالر، واملغرب 40 مليارًا). كما تــغــذي الــنــزاعــات الـداخـلـيـة فــي غـيـر مكان صراع تسلح غير مبرر. سـبـاق مجنون يشكل تـهـديـدا لإلنسانية والـــكـــوكـــب بــــأســــره، مـــن نــــوع تــصــريــحــات فــاديــمــيــربــوتــني، مــن أنـــه («قــــد يـلـجـأ إلـى األســـلـــحـــة الـــنـــوويـــة، إذا تــعــرضــت وحـــدة أراضي روسيا للتهديد، وأنه «ال يمزح»). هذا التصريح أثـار قلق ـا، وأدى إلى تـكـلـيـف فـــريـــق مـــن املــتــخــصــصــني لتقييم املـخـاطـر والــــــردود، خــاصــة مــع بـــروز دول تملك أسلحة نووية مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، التي صارت دولـــــــة إرهــــابــــيــــة «خــــــــارج الـــســـيـــطـــرة» فـي حربها البربرية على الفلسطينيني. ونظن أن هـنـاك تــســاؤالت حــول مـا إذا كــان قيام تـفـاهـم دولــــي حـــول تـوجـيـه هـــذه النفقات نــحــو األولـــــويـــــات الــحــاســمــة مــثــل حــقــوق اإلنــــســــان والـــصـــحـــة والــتــعــلــيــم والـــتـــحـــول الـبـيـئـي وحــــول دور املـجـتـمـع الـــدولـــي في وقـــــف الـــــحـــــروب املـــشـــتـــعـــلـــة، وتـــجـــنـــب أي تصعيد قد يؤدي الى كوارث عاملية.
تشتري الدول العربية كل عام ثلث أسلحة العالم، وتذهب نحو نصف صادرات األسلحة األميركية إليها