الجندي والعصيان... هل يتحرر «الجيش» من أيديولوجيا اإلبادة؟
أعــــلــــن الـــطـــيـــار فــــي ســـــاح الــــجــــو األمـــيـــركـــي، الري هيبرت 26( عـامـا)، إضـرابـه عن الطعام احــتــجــاجــا عــلــى حــــرب اإلبــــــادة الـــتـــي يشنها جيش االحـتـال اإلسرائيلي على قطاع غزة. وقف هيبرت أمام البيت األبيض، ورفع الفتة تقول: «طيار في الخدمة يرفض األكـل بينما تتضور غــزة جــوعــا». هيبرت ليس الجندي األمـــيـــركـــي األول الـــــذي يــتــخــذ مــوقــفــا كــهــذا؛ إذ سـبـق وأن أحـــرق الـجـنـدي آرون بوشنيل نفسه أمام السفارة اإلسرائيلية في واشنطن، احتجاجا على حـرب اإلبـــادة، ما يفتح الباب على أسئلة حــول األيـديـولـوجـيـا الـتـي تحكم الــجــيــش األمـــيـــركـــي وعــاقــتــهــا مـــع الــوطــنــيــة واملوقف من إسرائيل. ينتشر كثير من الفيديوهات لجنود سابقني شــاركــوا فـي حــرب فييتنام، واحــتــال الـعـراق وأفــغــانــســتــان. يــتــوجــهــون فـيـهـا بــالــلــوم إلــى اإلدارة األمـيـركـيـة عـلـى قــراراتــهــا الـتـي أودت بحياة أميركيني ومـئـات آالف املدنيني حول العالم. لكن، في العدوان على قطاع غزة، نحن أمـــام أمــر مـغـايـر؛ جـنـود على رأس وظائفهم (أي ليسوا متقاعدين أو احتياطيني) يعيدون الــنــظــر بــســيــاســة الـــدولـــة الـــتـــي أقــســمــوا على «خدمتها وحمايتها». االنتقادات التي توجه إلـــى املـؤسـسـة العسكرية فــي مختلف أنـحـاء العالم تتجاوز الـواليـات املتحدة، وال تتعلق فقط بتمويل إسرائيل ودعمها بالساح، بل مــشــاركــة جــنــود مـــن جــنـسـيــات مــتــعــددة إلــى جــانــب الـجـيـش اإلســرائــيــلــي، الــذيــن يـوثـقـون االنتهاكات التي يرتكبونها في قطاع غزة. توثيق االنتهاكات والتشفي من الفلسطينيني
فــي غـــزة نلمسه بــوضــوح ضـمـن فـيـديـوهـات جنود يحملون الجنسية الفرنسية يقاتلون مــــع الـــجـــيـــش اإلســــرائــــيــــلــــي. يـــهـــيـــنـــون أســــرى غزيني ويشتمونهم. هــؤالء تجاهلت فرنسا األسئلة حولهم، وحــول إمكانية محاكمتهم فـي حــال ارتـكـبـوا جـرائـم حـــرب، خصوصا أن هـنـاك أكـثـر مــن أربــعــة آالف فرنسي توجهوا لـلـقـتـال فــي إســرائــيــل. الــصــور الــتــي انـتـشـرت فـــي وســـائـــل الـــتـــواصـــل االجــتــمــاعــي تـحـولـت إلــى دلـيـل إدانـــة يصلح للمحكمة، مــا اضطر وزارة الخارجية الفرنسية بعدها إلى التأكيد أن املــحــاكــم الـفـرنـسـيـة سـتـحـاسـب مـــن يثبت ارتكابه لجرائم حرب من مواطنيها. نحن هنا أمام انتقاد جديد لصورة الجندي، وتشكيك بمفهوم االنتماء الوطني على حساب الديني، سـواء في فرنسا، أو في أميركا التي يمارس فيها الجنود احتجاجا واضحا على سياسة املـؤسـسـة الــتــي يـخـضـعـون لــهــا، والــتــي عــادة تتسم بالطاعة املطلقة، إذ يمنع الـجـنـود أو مـــن هـــم فـــي الــســلــك الــعــســكــري مـــن إبـــــداء رأي سياسي، فهل ما يحصل اآلن دعوة إلى إعادة النظر في مفهوم الوالء واملؤسسة العسكرية الوطنية في أوروبا وأميركا؟ يحضر موقف الجنود هذا أيضا داخـل دولة االحــــتــــال اإلســـرائـــيـــلـــي نــفــســهــا، إذ تـــكـــررت
ُتتّهم المؤسسة العسكرية في أنحاء العالم بالمشاركة في اإلبادة
الـــحـــاالت الــتــي رفـــض فـيـهـا شــبــان االلــتــحــاق بالخدمة العسكرية اإللزامية ضمن الجيش اإلســــرائــــيــــلــــي، احــــتــــاجــــا عـــلـــى اإلبــــــــــادة الــتــي يمارسها. نحن أمــام جيل جديد يشكك بكل الـسـرديـة الصهيونية ودور «جيش الـدفـاع» بوصفه مستعدًا الرتكاب إبادة جماعية. الـــافـــت فـــي هــــذه املــــواقــــف، هـــي أنـــهـــا تـتـغـذى مـن الـصـور التي تبث على وسـائـل التواصل االجـتـمـاعـي. الفظائع الـتـي يرتكبها الجيش اإلســرائــيــلــي لــم تـعـد خـفـيـة عـلـى أحــــد، بــل أن هــيــبــرت نــفــســه، اســتــخــدم صـــــورة طــفــل غـــزي يــعــانــي مـــن الـــجـــوع الـــشـــديـــد. هــــذه الـــصـــورة، كــغــيــرهــا مــــن الــــصــــور، تــتــركــنــا أمــــــام ســـــؤال: هـــل انــتــهــاك الـــكـــرامـــة اإلنــســانــيــة وبـــــث صــور الضحايا قادر على تغيير شيء ما في العالم؟ ال يمكن أن نحسم الجواب عن السؤال السابق، لكن أن يعلن جنود أميركيون وإسرائيليون اعـــتـــراضـــهـــم عــلــى ســـيـــاســـات املـــؤســـســـة الـتـي يـخـضـعـون لــهــا، يكشف لـنـا الــصــدع الشديد في صورة إسرائيل، واألهم، شهداء غزة الذين خدشوا ضمير العالم بأكمله. صورة الجندي األميركي تعكس تيارًا واسعا يــرفــض الـــدعـــم األمــيــركــي األعـــمـــى إلســرائــيــل، ذاك الـــذي وصـــل إلـــى الـجـنـود أنـفـسـهـم، ليس املوظفني وحـسـب. واملثير لاهتمام فـي هذه الصور يتجاوز إسرائيل نحو أميركا نفسها، واالنــتــخــابــات الــقــادمــة الــتــي تـواجـهـهـا إدارة بـايـدن، التي ألغت إفـطـارًا في البيت األبيض بسبب مقاطعة عدد كبير من الجالية العربية واملــســلــمــة لــــه. وال نـــقـــول إن تـــرامـــب فـــي حــال فـــاز ســيــكــون مــوقــفــه أفـــضـــل، لــكــن يـمـكـنـنـا أن نطرح سؤاال: هل تلعب غزة دورًا حاسما في االنتخابات األميركية؟