Al Araby Al Jadeed

مقّدمات التحّول وأبعاده في المحليّات

- محمود الريماوي

استرعت االنتخابات املحلية التي جرت أخــيــرًا فــي تـركـيـا اهـتـمـامـ­ا واســعــا خــارج بـــــاد األنـــــا­ضـــــول، وإن كـــانـــت درجــــــة هـــذا االهــتــم­ــام قـــد انـخـفـضـت هـــذه املـــــرة، نـظـرًا إلـى استمرار الحرب الوحشية على غـزة، وملــــا يــعــتــر­ي الـــحـــر­ب عــلــى أوكـــرانـ­ــيـــا من تـــــطـــ­ــورات تـــبـــدو فــــي غـــيـــر صـــالـــح كـيـيـف، وكـذلـك الزديـــاد حــدة املواجهة بـن إيــران ودولــة االحتال االسرائيلي والتي بلغت ذروة جديدة لها مع القصف اإلسرائيلي للقنصلية اإليرانية في دمشق. ورغــم أن هــذا االستحقاق االنتخابي في تركيا، والـــذي يجري كـل خمس سنوات، محلي الطابع واملضمون، ويـدور أساسًا حــــول الـــخـــد­مـــات األســـاسـ­ــيـــة لـلـمـواطـ­نـن، إال أن بعض التطورات اإلقليمية وجدت انعكاسًا لها على هذه االنتخابات، ومن ذلــــك أن مـــوقـــف حــــزب الـــعـــد­الـــة والـتـنـمـ­يـة (الحاكم) إزاء الحرب على غزة قد صادف بعض االنتقادات لدى شرائح اجتماعية مـحـافـظـة، إذ إن زخـــم املـــوقــ­ـف الـسـيـاسـ­ي والــــدبـ­ـــلــــوم­ــــاســــ­ي الــــرســ­ــمــــي الــــنـــ­ـاقــــم عـلـى حكومة االحــتــا­ل، وعـلـى أهميته، إال أنه لــم يـقـتـرن بــاتــخــ­اذ إجــــــرا­ءات قــويــة وذات مـــغـــزى مـــن أنـــقـــر­ة ضـــد تـــل أبـــيـــب. وقـبـيـل إجــــراء االنـتـخـا­بـات فــي الــيــوم األخــيــر من مــــارس/ آذار املـــاضــ­ـي، تـــــرددت أنــبــاء بـأن تـركـيـا مــا زالـــت مــصــدرًا رئـيـسـيـًا لتوريد الخضار والفواكه إلـى تل أبيب (كما هو حــــال األردن أيـــضـــًا)، بـــل ذكــــرت أنـــبـــا­ء أن تـــل أبــيــب تـلـقـت ذخـــائـــ­ر تـركـيـة بـالـتـزام­ـن مــــــع تــــصــــ­اعــــد حـــــــرب اإلبــــــ­ــــــــاد­ة، وهـــــــو مــا نفته وزارة الـخـارجـي­ـة الـتـركـيـ­ة مــن دون أن تـــرفـــق نـفـيـهـا بـــبـــيـ­ــان يـــوضـــح طبيعة الصادرات التركية وحجمها الدقيق. وقد أفـــــادت املــعــار­ضــة الــتــركـ­ـيــة، مــمــثــل­ــة، على الـخـصـوص، بـحـزب الشعب الجمهوري، مـن هــذه التسريبات، رغــم أن هــذا الحزب األتـــاتـ­ــوركـــي ال يـتـخـذ مـوقـفـا صـلـبـًا ضد تـــل أبـــيـــب وضــــد حــربــهــ­ا املـــســـ­عـــورة على غـــزة (مـــع أن مـوقـفـه بـهـذا الـخـصـوص قد تحسن عما كــان عليه فـي الـسـابـق)، غير أن الـــذي حــدث أن حـزبـًا محافظًا تحالف مع حزب العدالة والتنمية في االنتخابات البرملانية والرئاسية، وهو الرفاه الجديد، قــد اخــتــار هـــذه املــــرة خـــوض االنـتـخـا­بـات البلدية منفردا ومنتقدا املوقف الرسمي مـن تـل أبـيـب، وقــد حــاز هــذا الـحـزب الـذي يقوده نجل السياسي الراحل نجم الدين أربـكـان على املـركـز الثالث بأكثر مـن %6 من مجموع األصـــوات، ما أضــر بالحصة املـتـوقـع­ـة لــحــزب الــعــدال­ــة والـتـنـمـ­يـة الــذي تراجع بما نسبته نحو %9 من األصوات عما ناله في انتخابات ،2019 وبما أفاد حزب الشعب إفادة ملحوظة جعلته يتبوأ املــركــز األول فــي املــــدن الـرئـيـسـ­يـة الـثـاث و23 مدينة أخرى، ويسيطر على عضوية املجالس البلدية في معظمها، وليس على رئاسة البلديات فحسب. وقد اعترف الرئيس رجب طيب أردوغــان

بالتراجع واعتبره «نقطة تـحـول»، وأخذ عـلـى حـزبـه أنـــه أقـــام أحـيـانـًا جــــدران بينه وبن الشعب. ونظرًا إلى موقعه على رأس الـــبـــا­د والــســلـ­ـطــات، إضـــافـــ­ة إلـــى رئـاسـتـه الحزب، فا شك أنه يتحمل مسؤولية عما جرى في أول تراجع بهذا املستوى يمنى بـــه الـــحـــز­ب الــحــاكـ­ـم مــنــذ 22 عـــامـــًا. وثـمـة بــعــدئــ­ذ مــاحــظــ­ات وخـــاصـــ­ات تحليلية بشأن هذه النتائج، منها: ـ التضخم الذي تـشـهـده الـــبـــا­د، وتـــراجــ­ـع الــقــوة الـشـرائـي­ـة للعملة الوطنية، والتي ازدادت وتيرتها بـــعـــد فـــــوز حـــــزب الــــعـــ­ـدالــــة والـــتـــ­نـــمـــيـ­ــة فـي االنــتــخ­ــابــات الــرئــاس­ــيــة والــبــرم­لــانــيــ­ة في مايو/ أيـار املاضي، أديـا إلى فقدان حزب الــعــدال­ــة نـسـبـة مـعـتـبـرة مــن ثـقـة مـؤيـديـه، وبـــالـــ­ذات فـئـة املـتـقـاع­ـديـن، ويـشـكـل هــؤالء شريحة كبيرة في املجتمع، وبتعداد يصل إلى 15 مليون متقاعد.

رغم أن األتراك من أصول كردية ترشحوا بصورة مستقلة، إال أن أصواتهم توزعت بـــــن حــــزبـــ­ـهــــم (املـــــــ­ـســــــــ­اواة وديـــمـــ­قـــراطـــ­يـــة الشعوب) وحـزب الشعب الجمهوري، مع نـسـبـة ضـئـيـلـة ذهــبــت إلـــى حـــزب الــعــدال­ــة والتمنية، وكان العتقال رموز من الحركة الكردية، بعضهم نواب ورؤساء بلديات، فــــتــــ­رات طـــويـــل­ـــة، دور فــــي تـــقـــلـ­ــص فـــرص «الــــعـــ­ـدالــــة والـــتـــ­نـــمـــيـ­ــة»، وقـــــد حــــل الـــحـــز­ب الكردي في املرتبة الرابعة.

لــم ينجح «الــعــدال­ــة والتنمية» فــي إقامة تحالفات حزبية باستثناء تحالفه الدائم مـــع حــــزب الــحــركـ­ـة الــقــومـ­ـيــة الــــذي حــــل في

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar