Al Araby Al Jadeed

مكاسب متزايدة لدعوات مقاطعة السلع اإلسرائيلي­ة

- أحمد ذكر اهلل

ال تــــزال دعــــوات مـقـاطـعـة مـنـتـجـات الــكــيــ­ان الـصـهـيـو­نـي والــــدول الداعمة لالحتالل في حربه على غزة تحقق مكاسب جديدة في العديد من دول العالم مع استمرار الحرب الهمجية على أهلنا في القطاع. في املقابل أضحت دعــوات املقاطعة اعتيادية داخل الدول العربية واإلسالمية مع توالي الشدائد وامللمات، وأحيانًا ما تقابل بالتسفيه والتشويه والتثبيط. وقد بدأت دعـوات املقاطعة مع الغزو األميركي للعراق عام 2003 ثم توالت بعد ذلك مع كل اعتداء على املقدسات اإلسالمية، خاصة حرق املصحف الشريف في السويد والدنمارك والـرسـوم املسيئة للنبي صلي الله عليه وسلم في فرنسا وغيرها من الدول. والحقيقة أن الزخم الشعبي الـــذي تكتسبه دعـــوات املقاطعة يتناسب طـــردًا مـع حجم الكبت الذي تمارسه السلطات على التحركات الشعبية املتطلعة للدفاع عن مقدساتها وأرضها، ولكن ال يمكن إنكار أن دعوات التثبيط والتسفيه من النتائج وتشويهها تخلق مناخًا من التشويش على الجماهير العريضة املمنوعة من التعبير بحرية عن آرائها، وعن اتخاذ مواقف عملية تجاه قضاياها العادلة، وال يتبقى أمامها إال خيار املقاطعة خيارًا أخيرًا يمكنها من االنخراط في أدنى درجات املقاومة املمكنة. ومن بني دعاوى التثبيط عن املقاطعة، االدعاءات بأنها تضر باالقتصادي­ات الداخلية للدول التي تقوم جماهيرها باملقاطعة حيث ستضر املبيعات، ومـن ثم ستخسر الشركات وتضطر إلــى تقليص الـوظـائـف، مما يعني وقـــوع الـضـرر على جمهور املـعـارضـ­ني أنفسهم، ولـأسـف لـم يقدم املتخصصون سواء في االقتصاد أم في العلوم الشرعية آراء متكاملة تنتشل تلك الجماهير من حيرتها وتغلق األبواب أمام املثبطني والطوابير املحلية املجهزة لخدمة األجندات األجنبية. وعلي سبيل املثال فتحت مقاطعة شركات املشروبات الغازية الداعمة للكيان الصهيوني الباب واسعًا أمام مضاعفة مبيعات عالمات تجارية محلية تــوارت طويال تحت ضربات تسويقية كاسحة من الشركات العاملية، وهو األمـر الـذي يبني ببساطة أن العمال املفصولني من فروع الشركات العاملية سيجدون فرصًا وظـيـفـيـة جـــديـــد­ة فـــي شـــركـــا­ت وطــنــيــ­ة، بــاإلضــا­فــة إلـــى مكاسب االقـتـصـا­د الـوطـنـي بـعـدم تحويل األربــــا­ح إلــى الــخــارج والحفاظ على النقد األجنبي الشحيح من األساس، وكذلك بالتأكيد توجيه ضربات موجعة إلى الشركات املتبجحة بدعم الكيان. عمومًا نحن أمام نوعني من الشركات يمكن أن تشملهما دعوات املقاطعة: األول مقاطعة فرع من فـروع الشركة األم، والحالة هنا بسيطة وواضحة حيث سيلحق الضرر بالفرع، ثم الشركة األم التي تتكون أرباحها من مجموع أرباح فروعها. والثانية مقاطعة شركة مملوكة ملستثمر محلي حاصلة على امتياز استخدام العالمة التجارية للشركة األم، وعــادة ما تدفع مبلغًا مـحـددًا مـن املــال للشركة األم، أمـا عند توقيع العقد، فإن الشركة األم لن تخسر شيئًا، في حني يخسر املستثمر املحلي الذي يوظف العمالة ويشتري منتجات محلية لتشغيل مشروعه، وبالتأكيد ستكون املقاطعة في هذه الحالة ظاهريًا ضـارة لهذا املستثمر. ولكن تجدر اإلشــارة أن السائد في امتياز استخدام الـعـالمـا­ت التجارية هـو دفــع مبلغ مـقـدم، بـاإلضـافـ­ة إلــى تحويل نسبة من األرباح السنوية، أي إن الشركة األم تتضرر كذلك. والـــحـــ­الـــة الـــســـا­بـــقـــة تـــحـــتـ­ــاج إلـــــى الـــجـــه­ـــود الــبــحــ­ثــيــة فــــي املـــجـــ­ال االقتصادي، فمثال يمكن للشركات املتضررة أن تنشر الجزء من التعاقد الذي يؤكد عدم تحويل نسبة من األرباح السنوية، أو البحث في إمكانية إحالل عالمات تجارية محلية أو غير ذلك، مع تقدير ممنهج للضرر الناجم عن كل خيار، كما يحتاج األمر إلى اجتهاد فقهي من مجامع فقهية ذات مصداقية لـدى القطاعات الواسعة من الجماهير العربية واإلسالمية. وال شك أن حسم تلك اإلشكاليات اقتصاديًا وفقهيًا سيدعم نتائج دعـــوات املقاطعة والتي باتت السالح األخير في أيدي الجماهير املمنوعة قسرًا عن املشاركة، خاصة أن دعوات املقاطعة تراكمت وتنامت مكاسبها في الحرب االجرامية الدائرة على أهلنا في غزة. فــي نـهـايـة مـــــــار­س/آذار املـــاضــ­ـي، صـــدر حـكـم مـهـم مــن محكمة استئناف بــاريــس وهــي الــدرجــة القضائية األعــلــى فــي فرنسا، مفاده أن الدعوة إلى مقاطعة املنتجات املستوردة من إسرائيل هي جزء من حرية التعبير السياسي، يأتي ذلك استكماال للحكم الذي أصدرته املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان يوم 11 يونيو/ حزيران 2020 بناء على املادة 10 من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان، والتي تقضي بقانونية دعوات مقاطعة بضائع الكيان. وكانت تلك األحكام استجابة للجوء 11 شخصًا تابعني لحملة « بـي دي إس فـرانـس» والـتـي تدعو إلــى مقاطعة دولــة إسرائيل بوصفه محتال وسحب االستثمارا­ت منها، إلى املحكمة األوروبية بعد إدانـتـهـم بتهمة التحريض على التمييز االقــتــص­ــادي ضد األفراد بسبب انتمائهم إلى دولة ما. وومن هنا يعد صدور تلك األحـكـام انتصارًا كبيرًا لنشطاء املقاطعة بعد أن مــأت الفراغ التشريعي الفرنسي واألوروبــ­ــي بـشـأن دعـــوات املقاطعة والتي كانت تستغله الحكومات لزجر النشطاء وترهيبهم ومنعهم عن تلك الدعوات. وبوجود تلك األحكام وتشابكها مع حالة الغضب املتصاعد عامليًا من االجــرام الصهيوني، من املؤكد أن تكتسب دعوات املقاطعة االستمرار والتصاعد، األمر الذي سيقضي على ما تبقى من الصورة املزيفة التي طاملا روجها الكيان بكونه واحة للحرية والديمقراط­ية. وجهت حمالت املقاطعة ضربات مؤملة إلى الشركات التي تبجحت بإعالنها تقديم الدعم املالي للكيان الصهيوني، وقد تجلى ذلك في خسائر بمليارات الــدوالرا­ت وتدهور حاد لقيم األسهم املتداولة في البورصات العاملية، باإلضافة إلى إغالق العديد من الفروع في عدة دول. وقد تكبدت شركة ماكدونالدز خسائر ضخمة، حيث خسرت نحو سبعة مليارات دوالر من قيمتها بعد تصريح املدير املالي بأن املبيعات الدولية ستواصل االنخفاض في الربع الحالي ،2024 وذلــك تحت ضغط الصراع الجاري في الشرق األوســط، وضعف الطلب في الصني، كما تكبدت ستاربكس خسائر بقيمة 11 مليار دوالر بعد شهر واحد فقط من بداية الحرب على غزة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar