Al Araby Al Jadeed

كمال األزرق أردُت فقدان اإلحساس بالمكان والزمان

«عصابات» أول روائي طويل لكمال األزرق يعرض في مهرجاني «كان» و«مراكش» ويحصل فيهما على جائزتين. عنه وعن مسائل سينمائية، حوار مع مخرجه

- أجراه سعيد المزواري النص الكامل على الموقع األلكتروني

حـــقـــق الـــمـــغ­ـــربـــي كـــمـــال األزرق 40( عــــامـــ­ـا)، بـ«عصابات»، فيلمه الطويل األول، مغامرة مـــتـــوت­ـــرة ومــــتـــ­ـعــــددة الـــــقــ­ـــراء ات فــــي أقـــاصـــ­ي الــــــــ­ــدار الــــبـــ­ـيــــضـــ­ـاء. تــــتــــ­بــــع ســــعــــ­ي أب (عـــبـــد اللطيف مستوري) وابنه (أيــوب العيد) إلى الـتـخـلـص مــن مشكلة عـويـصـة يواجهانها، عند قيامهما بمهمة إجرامية لفائدة زعيم عصابة، لالنتقام من زعيم عصابة معادية. يـعـتـمـد األزرق عــلــى جــمــالــ­يــة الــــوجــ­ــوه، غير االعتيادية، لممثلين غير محترفين، واألفلمة قرب الشخصيات، مع اقتصاد في الحبكة (ال تفسير لـغـيـاب األم مــثــال)، رغـــم قـــوة الــرهــان. ولـــــعــ­ـــل نـــجـــاح­ـــه فـــــي الـــــمــ­ـــوازنـــ­ــة بـــيـــن هـــذيـــن النقيضين منح الفيلم جاذبية، تنبعث عادة مـــن الــســيــ­نــاريــوه­ــات الـــتـــي تـعـطـي االنــطــب­ــاع أنــهــا تـقـوم عـلـى شـــيء هـــش، يمكن أن ينهار فــي أي لـحـظـة، يخفي تـمـاسـكـا داخــلــيـ­ـا جـمـا (فاز النص بجائزة «مؤسسة غان»، ،Gan عام .)2021 خــاصــة أن نـسـق الـــ«بــيــكــا­ريــســك»، أو لقاء األب وابنه، بطيف واسع من الشخصيات المختلفة، التي تحمل كلها بصمة مختلفة، يضفي على الفيلم لمسة تخرج به من طابع المهمة ـ البرنامج، على غرار شخصية البحار، مــــدمـــ­ـن الــــكـــ­ـحــــول، الــــــذي يـــنـــاق­ـــض، بـجـمـالـي­ـة المونولوغ الهزلي والثرثرة، الوجوم المفرط في الجدية للثنائي الرئيسي. في القسم الثاني، يقول «عصابات» بموشور الــحــلــ­م أشـــيـــا­ء أســـاســـ­يـــة عـــن تـغـلـغـل الـتـطـيـر الـــديـــ­نـــي فــــي الـــتـــص­ـــور الـــجـــم­ـــاعـــي الــمــغــ­ربــي، حـــيـــن يــــتــــ­وحــــد، بـــيـــن الـــفـــي­ـــنـــة واألخـــــ­ـــــرى، مـع الــرؤى الكابوسية لـأب، ومركب الذنب الذي يــســتــو­لــي عــلــيــه. هـــنـــاك أيـــضـــا تـــبـــاد­ل مشعل الـسـلـطـة بـيـن األب واالبــــن فــي فــتــرات الفيلم، بالتوازي مع مقاربة إخراجية خالقة، تنجح فــي مـحـو مـعـالـم الــزمــن بفضل االنـــخــ­ـراط في الــشــعــ­ور الـنـسـبـي بـــمـــدة الــمــشــ­اهــد، وتـعـطـي االنــطــب­ــاع بــــأن األحــــــ­داث تــجــري عــلــى امــتــداد

لـيـلـة ال تـنـتـهـي. أمــــا تــدبــيــ­ر الـــفـــض­ـــاء، فـيـديـن بــأصــالـ­ـتــه إلـــى حـيـلـة االنــتــق­ــال الــمــتــ­كــرر بين الـــدار البيضاء ومحيطها الـقـروي ،)Zigzag( ينتهي بـإلـغـاء الـمـفـهـو­م االعــتــي­ــادي للمكان، ليتوغل الفيلم في ليل داخلي بهيم، وذاتية شخصياته المفعمة بالخواطر الـسـوداوي­ـة، الـتـي تجد فـي المشاهد النهائية وقسوتها نوعا من التصريف والتفريغ. فاز «عصابات» بجائزة لجنة تحكيم «نظرة مـا»، في الـدورة الــــــ67 16( ـ 27 مـــايـــو/أيـــار )2023 لـمـهـرجـا­ن «كـان»، قبل أن يشارك في المسابقة الرسمية لـلـدورة الــــ02 24( نوفمبر/تشرين الثاني ـ 2 ديـسـمـبـر/كـانـون األول )2023 لــ«الـمـهـرجـ­ان

ًّ الـدولـي للفيلم بـمـراكـش»، ونــال جائزة لجنة تـحـكـيـمـ­هـا أيــــضـــ­ـا، مــنــاصــ­فــة مــــع «بــــــاي بـــاي طبريا» للفرنسية الجزائرية لينا سويلم. في مراكش، كان حوار معه عن الجوانب الجمالية والداللية لـ «عصابات».

¶ ســأبــدأ بجانب مثير لالهتمام فــي «عـصـابـات»، مرتبط بالممثلين الـذيـن لمعظمهم وجــوه وسمات الفــتــة، أو ‪Des gueules‬ بتعبير الـفـرنـسـ­يـيـن. هل قررت هذا منذ الكتابة، أم أثناء اختيار الممثلين؟

صــحــيــح أنــــي أردت صــنــع فــيــلــم تــتــولــ­د فيه المشاعر أساسا، من خالل الوجوه والنظرات. تـــدور األحـــداث لـيـال، فـي العالم الــســري للدار الــبــيــ­ضــاء، وأحــيــائ­ــهــا الـغـامـضـ­ة إلـــى حـــد مـا. أردت أن يتوفر الممثلون على وجـــوه، تكفي نظرة إليها أو تعبير منها لتدفع إلى تخيل أشـــيـــا­ء كــثــيــر­ة فـــي الـخـلـفـي­ـة، ســــواء بالنسبة إلــى الممثلين الرئيسيين، أو مـــؤدي األدوار الـثـانـوي­ـة. بحكم أن البنية الـسـرديـة تنتمي، نـــوعـــا مــــا، إلــــى أفـــــالم الـــطـــر­يـــق، مـــع تشكيلة مـتـنـوعـة مــن الـشـخـصـي­ـات، ولـــقـــا­ءات تحصل في فضاء ات مختلفة، كان مهما أن نتوفر على وجـــوه تـتـرك تـأثـيـرا قـويـا على الـشـاشـة، وأن تجتاحنا ـ فـي كــل مــرة نواجهها ـ أحاسيس تخترق الشاشة بطريقة ما.

¶ هل جنحت باكرا إلى فكرة تصوير الشخصيتين عن كثب في الَمشاهد األولى من الفيلم، إذ نكتشف حياتهما اليومية قبل االنقالب الدرامي؟ ال، كانت باألحرى فكرة توصلنا إليها، مدير الـتـصـويـ­ر وأنــــا: أن يـكـون الفيلم انغماسيا، وأن نخوض الرحلة قـرب الشخصيتين. لذا، حاولنا أن نرافقهما منذ البداية، وأن نكون قريبين جـدا منهما، وأن نأخذ، من وقت إلى آخـر، مسافة قصيرة لنلتقط أنفاسنا. قواعد الـلـعـبـة الــتــي وضـعـتـهـا مـــع مــديــر الـتـصـويـ­ر الـــســـي­ـــنـــمــ­ـائـــي، أمــــيـــ­ـن بـــــــــ­رادة، تـــتـــعـ­ــلـــق كـــثـــيـ­ــرا بالحصول على كاميرا مندمجة في الحركة، وغـــامـــ­رة لــلــغــا­يــة، مـــع لــقــطــا­ت مــقــربــ­ة كــثــيــر­ا، بالفعل.

¶ الجانب اآلخر الالفت لالنتباه االقتصاد السردي. ال نعرف شيئا عن األم الغائبة مثال. حتى العالقة بين األب واالبن تبدو غامضة، ألنك ال تزودنا بتفاصيل عن ماضيها، وعمن يمسك بزمام األمـور حقا، إلى حد أن نوعا من تمرير شاهد القيادة يحدث بينهما في االتجاهين، في القسم الثاني. لماذا اخترت هذا االقتصاد السردي، خاصة أنه ينطوي على مجازفة كبيرة؟ أردت صنع فيلم له منهج وثائقي قوي، إلى حد ما. عندما أقول نهجا وثائقيا، هذا يعني تقديم وضعيات درامية تدع للمشاهد حرية تخيل الـ «بازل» وإعادة تركيبه. هناك تفاصيل إضافية في السيناريو الذي صورته. لكن، في المونتاج، أدركت أن المادة كافية بحد ذاتها. مثال، في البداية، عندما تشتري الشخصيتان الطعام، وتعودان إلى المنزل للقاء الجدة، كان النقاش المصور مع األخيرة أطول، ُمعّ مزيد من التوضيحات. في المونتاج، قلت إنـه في الحقيقة يكفي إلقاء نظرة على الوجوه لفهم كل شيء. بدا األمر كأني أردت أن أسطر تحت أشياء معينة. العمل الـــذي قمنا بـه فـي الكتابة والمونتاج (األولى لأزرق نفسه، والثاني إللويز بلوكي ـ المحرر) تجلى في تشذيب كل األشياء التي كـانـت تأكيدية بطريقة مــا، لنترك للمشاهد

فــــرصـــ­ـة بــــنــــ­اء خـــلـــفـ­ــيـــة الـــشـــخ­ـــصـــيــ­ـات، ومـــــلء الثغرات التي يجدها هنا وهناك.

¶ وماذا عن غياب األّم؟ أردت أن أقول: «هذا أب وابنه». ربما تكون األم متوفاة أو مطلقة، أو أنها تركت األب لتتزوج آخـــــر. أردت أن أقــــــوي عـــالقـــ­ة الـشـخـصـي­ـتـيـن الرئيسيتين، ألن العالقة بينهما تـغـدو، في نهاية الـمـطـاف، قريبة جـــدا. كــان بإمكانهما أن ينفصال مرات عدة، لكنهما بقيا معا، كما لــو أن قـــوة مــا ترغمهما عـلـى ذلـــك. بالنسبة إلـّي، غياب األم ضـروري لتعزيز هذا الجانب االندماجي بين األب واالبن.

¶ إخــراج الفضاء مهم جــدا للفيلم، خاصة بفضل الــفــكــ­رة الـــرائــ­ـعـــة الـــتـــي تـقـتـضـي الـــدخـــ­ول والـــخـــ­روج الدائمين بين الدار البيضاء ومحيطها القروي. نتيجة ذلـك، تفجر مفهوم الفضاء، نوعا ما، وحمل الفيلم آثار االنفجار، ألنه ليس بالحضري وال القروي، وال فيلم طريق تماما. يصعب تحديد نوعه. صــحــيــح. عــنــدمــ­ا كــنــت أعـــــرض الــســيــ­نــاريــو على شـركـاء التمويل أو الـلـجـان، كـنـت أســأل كــثــيــر­ا: «مـــا هـــذا تــحــديــ­دا؟ فيلم طــريــق؟ فيلم إثارة؟ في الوقت نفسه، هناك لمسات هزلية. عليك تحديد مــا إذا كــان الفيلم على طريقة

ُّ األخوين كون، أم أنه فيلم burlesque على طراز كوريسماكي. أعطنا مـرجـعـا مـــا». واإلجــابـ­ـة: الـــفـــي­ـــلـــم يـــتـــنـ­ــقـــل بـــيـــن مــــراجــ­ــع وأنـــــــ­ــواع عـــــدة. لكني أعتقد أنـــه مـتـجـذر فــي الـــدار البيضاء. يـــأتـــي الـــطـــا­بـــع، أســـــاسـ­ــــا، مــــن هـــــذه الــمــديـ­ـنــة، والـشـخـصـ­يـات الــمــتــ­فــردة الــتــي نـلـقـاهـا حين نــتــجــو­ل فــيــهــا. لـــذلـــك، كـــان لــــدي مــنــذ الــبــداي­ــة حــــــدس يــقــضــي أن الــفــيــ­لــم ســـيـــكـ­ــون مــزيــجــ­ا مـــن األنــــــ­ـواع، بــيــد أنـــــي لـــم أعـــثـــر عــلــى نغمته الصحيحة إال في التصوير، بمجرد حضور الممثلين. عـنـدهـا، وجــــدت طـريـقـة التصوير والـ«ميزانسين» المناسبين. هناك أمــور تم إعدادها والتخطيط لها. لكن واقع التصوير فرض نفسه بقوة.

¶ تـــدور جـــل األحــــدا­ث بـيـن أذانــــي الـعـشـاء والـفـجـر. لكن إلغاء مفهوم الزمكان، بمعناه الكالسيكي، ولد انطباعا أننا أمضينا أسبوعا كامال مع شخصيات تــقــطــع ًمـــئـــات الــكــيــ­لــومــتــ­رات. هـــل ســعــيــت إلــــى ذلــك تحديدا؟

نــعــم. فـــي الــحــقــ­يــقــة، نــحــن إزاء شخصيتين ضـــائـــع­ـــتـــيــ­ـن، تـــفـــقـ­ــدان تـــوازنــ­ـهـــمـــا نــــوعـــ­ـا مـــا. كلما تـقـدم الفيلم، تتالت عليهما المشاكل، الواحدة تلو األخرى. أردت أن يحس المشاهد بـالـضـيـا­ع مـعـهـمـا، فــي الـــزمـــ­ان والــمــكـ­ـان، فال نــعــرف أيـــن نـحـن بـالـتـحـد­يـد. الــــدار البيضاء مــديــنــ­ة شــاســعــ­ة جــــــدا، مـــا يـــعـــزز اإلحـــســ­ـاس بأنهما يمضيان ليلة تمتد طــول حياتهما، ولن يخرجا منها أبدا. نتيجة ذلك، كلما تقدم الفيلم، أصبح أقـرب إلى الحلم، قبل أن يغدو كابوسيا. هناك ذكــريــات، وكـوابـيـس تجتاح األب مثال، حين يرتمي االبن في «وكر الذئب».

 ?? (ستفان كاردينالي/ytteG) ?? كمال األزرق: «أن يكون الفيلم انغماسيًا»
(ستفان كاردينالي/ytteG) كمال األزرق: «أن يكون الفيلم انغماسيًا»

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar