البرتغال... نهاية االستثناء اليساري
أنـهـى تعيني الـرئـاسـة البرتغالية لويس مـــونـــتـــيـــنـــيـــغـــرو رئــــيــــســــا لــــــــلــــــــوزراء، يــــوم الـــخـــمـــيـــس املــــاضــــي 21( مــــــــارس/ آذار)، بــعــد فــــوزه بــاســم الــتــحــالــف الـديـمـقـراطـي املـــحـــافـــظ، حــقــبــة ســيــطــرة الـــيـــســـار ممثال فــي الــحــزب االشـــتـــراكـــي، عـلـى الـحـكـومـات املــتــعــاقــبــة فـــي لــشــبــونــة، مــنــذ عــــام ،2015 في واحــدة من التجارب اليسارية القليلة داخــــــــل االتــــــحــــــاد األوروبـــــــــــــي. كـــمـــا أنـــهـــت استحقاقات العاشر من شهر مارس/ آذار الـجـاري ســرديــات كثيرة شكلت استثناء طـبـع املشهد الـسـيـاسـي، وصنعت معالم تجربة ديمقراطية معاصرة، ال تتعدى 50 عاما، في البرتغال. ظاهريا، تبدو نتائج االقتراع التي تكشف عــــن تــــحــــول نـــحـــو الـــيـــمـــني مـــســـألـــة عـــاديـــة وطبيعية، بعد ثماني سنوات من هيمنة الـيـسـار عـلـى الـحـكـم، فـقـد جـــاء «التحالف الــديــمــقــراطــي» الـيـمـيـنـي، بــقــيــادة الــحــزب الــديــمــقــراطــي االجــتــمــاعــي، فـــي الـــصـــدارة، بمجموع 79 مقعدا )29,5%( فـي مجلس الــجــمــهــوريــة (الــــبــــرملــــان)، مــتــقــدمــا بــفــارق ضـئـيـل عــن الــحــزب االشــتــراكــي (الــحــاكــم) الــــذي حـصـد 77 مـقـعـدا .)28,7%( وشـكـل احــتــالل حـــزب «تـشـيـغـا» (كــفــى) اليميني املتطرف املركز الثالث مفاجأة كبيرة، بعد مضاعفة مقاعده في البرملان أربـع مـرات، في غضون عامني، بانتقاله من 12 إلى 48 مقعدا .)18,1%( خـــالفـــا لــالســتــحــقــاقــات الـــســـابـــقـــة، تــدشــن البرتغال، بناء على هــذه النتائج، فصال جـــديـــدا فـــي الـعـمـلـيـة الــســيــاســيــة، بـإنـهـاء الثنائية الحزبية فـي املشهد السياسي، فـــالـــبـــرملـــان الـــحـــالـــي يــضــم فــســيــفــســاء من ثمانية أحـــزاب. يضع بـذلـك البرتغاليون حـــــدا لــتــجــربــة الـــحـــزب األغـــلـــبـــي، لـصـالـح تشكيل حكومة ائتالفية لتدبير شؤونهم. طــــمــــوح تـــعـــاكـــســـه مــــخــــرجــــات صـــنـــاديـــق االقــــتــــراع، وقـــبـــل ذلــــك االلــــتــــزام الـسـيـاسـي لــــأحــــزاب، حــيــث تــحــفــظ زعـــيـــم الـتـحـالـف الـديـمـقـراطـي، لـويـس مونتينيغرو، على
أي تـعـاون مـع حــزب «تشيغا» العنصري املـتـطـرف، لضمان األغلبية الـالزمـة ألجل تشكيل الحكومة، ما يعقد أكثر حسابات املشهد السياسي في البلد. وضــع يقلل مـن أوراق اللعب املتاحة بني يــدي رئـيـس الــــوزراء املـكـلـف، بعد اختيار الـــحـــزب االشـــتـــراكـــي؛ ثــانــي قـــوة سياسية في البالد، االصطفاف في املعارضة داخل الـــبـــرملـــان، فــمــونــتــيــنــيــغــرو أمـــــام خــيــاريــن أحــالهــمــا مـــــر؛ إمـــا الــتــوجــه نــحــو تشكيل حكومة أقلية، مع حزب املبادرة الليبرالية (ثـــمـــانـــيـــة مــــقــــاعــــد)، مــــا يــعــنــي اســـتـــجـــداء األحـــزاب عند كـل تصويت على القوانني، لضمان 28 صوتا قصد استكمال األغلبية ،)116/230( مع ما يعنيه ذلـك من تهديد مستمر بإسقاط الحكومة فـي أي لحظة، الســيــمــا عــنــد الـــرغـــبـــة فـــي تــمــريــر قــانــون املـــالـــيـــة. وإمــــــا الــــدفــــع بـــعـــدم الــــقــــدرة عـلـى تشكيل الحكومة، والتوجه إلى انتخابات جـــــديـــــدة فـــــي الــــصــــيــــف املــــقــــبــــل. أيـــــــا يــكــن السيناريو الذي يختاره الرجل، فإنه يظل مرادفا للتوتر وعدم االستقرار، على غرار ما يجري في السويد حاليا، حيث تتولى حكومة أقلية يمينية شؤون البالد. شــهــدت املـحـطـة االنـتـخـابـيـة أخــيــرًا جملة مــــن املــــفــــاجــــآت، تــبــقــى بــمــثــابــة مــــؤشــــرات يـــمـــكـــن عــــلــــى ضــــوئــــهــــا قــــــــــراءة الـــتـــجـــربـــة الـــســـيـــاســـيـــة الـــفـــتـــيـــة هــــنــــاك وتــقــيــيــمــهــا، مقارنة بالديمقراطيات العريقة في القارة العجوز. شكلت نتائج الحزب االشتراكي الذي حل ثانيا 77( مقعدا) بفارق مقعدين فقط عـن التحالف الديمقراطي املتصدر مـــفـــاجـــأة كـــبـــرى، فـــالـــحـــزب الـــــذي أجـمـعـت الــتــوقــعــات عـلـى سـقـوطـه املـــــدوي، بسبب تحقيقات مع أعضاء في الحكومة بشأن مـــخـــالـــفـــات مــحــتــمــلــة فــــي عــــقــــود مــنــاجــم الليثيوم والهيدروجني األخضر، استطاع حـصـد ثـلـث مـقـاعـد مـجـلـس الـجـمـهـوريـة. وفي ذلك تأكيد على أن سقطات األفراد ال يجب أن تنقلب إدانة للمؤسسة بأكملها، خصوصا عندما تتوفر قرائن على ذلك. قـــرأ كــثــيــرون فـــي الــصــعــود املــلــفــت لـحـزب «تــــشــــيــــغــــا» صـــــاحـــــب شـــــعـــــار «تـــنـــظـــيـــف
مؤشرات يمكن على ضوئها قراءة التجربة السياسية الفتية في البرتغال وتقييمها
البرتغال»؛ الطارئ على الساحة السياسية البرتغالية، إذ ال يتعدى تاريخه النضالي خـمـس ســـنـــوات، مـــجـــرد نـتـيـجـة لفضائح حـكـومـة االشــتــراكــيــني، فـالـتـصـويـت بهذه الكثافة لصالح الحزب الذي أضحى ثالث قوة في البالد، بحصوله على خمس مقاعد البرملان، تصويت احتجاجي على األحزاب الــتــقــلــيــديــة، نــاهــيــك بــأنــه رســـالـــة مـفـادهـا إيالء االهتمام ملشكالت املجتمع؛ فالحزب الذي يناهض الفساد والجريمة والهجرة استفاد كثيرا من سلسلة الفضائح التي تـورط فيها السياسيون من الحزبني، في ثالث بلد على قائمة الفساد ضمن الدول األوروبية بعد كرواتيا واليونان. انحسار يساري جديد في أوروبــا، مقابل تمدد لليمني املتطرف؛ فمن أصل 13 دولة تـقـودهـا حـكـومـات اشـتـراكـيـة، عـــام ،2013 لـــم يــبــق مـنـهـا الـــيـــوم ســـوى أربــــع (أملــانــيــا وإســــبــــانــــيــــا وســـلـــوفـــيـــنـــيـــا والـــــدنـــــمـــــارك). يـــحـــدث ذلـــــك فــــي الـــبـــرتـــغـــال إحــــــدى قـــالع الـــيـــســـار فــــي أوروبــــــــــا، وعـــلـــى بـــعـــد ثــالثــة أشهر فقط انتخابات البرملان األوروبـــي، شهر يونيو/ حـزيـران املقبل، وفـي غياب تصنيف نـهـائـي ملـتـطـرفـي الـبـرتـغـال؛ هل يتبعون خطى حزب فيديسز املجري الذي يغرد خارج السرب األوروبي أم يجنحون إلى نهج حزب إخوة إيطاليا املتعاون مع االتحاد األوروبي؟