Al Araby Al Jadeed

الحريديم يبّددون نقطة عمياء

- أنطوان شلحت

تسلط التفاعالت املترتبة عن قضية إنهاء إعفاء الشبان اليهود الحريديم املتشددين دينيًا في إسرائيل من الخدمة العسكرية اإللزامية الضوء على متناقضات جوهرية داخـــل املجتمع الـيـهـودي اإلسـرائـي­ـلـي، ليس أقـــل مــن الـحـاجـات املـاثـلـة أمـــام الجيش اإلسرائيلي، سيما في مجال املــورد البشري، بسبب نتائج الحرب املستمرة على غــزة. فقبل أن تتصدر هـذه القضية جــدول األعـمـال السياسي في إسرائيل، على خلفية انتهاء سريان أمر أصدرته الحكومة، ويقضي بتعليق التجنيد اإللزامي لهؤالء الشبان، ومطالبة املحكمة العليا بإصدار قرار يلزم الحكومة بسن قانون جديد بشأن التجنيد يشمل الشبان الحريديم، راجت تقارير ساهمت في جعل صيرورة مجتمع اليهود الحريديم بمثابة نقطة عمياء في ما تنطوي عليه من تداعيات على مستقبل دولــة االحـتـالل واقتصادها. وهـي تداعيات متأثرة بأمرين يخصان هـذا املجتمع: األول، نسبة الزيادة الطبيعية فيه، التي تصل إلى %4.2 مقارنة %1.4ـب في املجتمع اليهودي غير الحريدي، وستصل نسبته بني مجمل السكان إلى أكثر من الثلث بعد فترة قصيرة. الثاني، امتناع نسبة عالية جدًا من الحريديم من االنخراط في سوق العمل، وضغط قادتهم على املؤسسة الحاكمة للحصول على املزيد من املخصصات االجتماعية التي تشكل عبئًا ليس بقليل على الخزينة العامة، كذلك فإن نمط حياتهم التقشفي ال يساهم في النمو االقتصادي، وفوق هذا كله امتناعهم عن أداء الخدمة العسكرية في الجيش من منطلقات دينية، وحتى املؤشرات األخيرة التي بدأت تظهر حول استعداد نسبة ضئيلة منهم للمشاركة في الخدمة العسكرية تدل على أنها مشاركة جزئية وهامشية. ويبدو أنه نتيجة لرسوخ هذه النقطة العمياء، بتنا نصادف في كثير من األدبيات اإلسرائيلي­ة تقارير تأتي على «تطورات عميقة» و«أسرلة» في صفوف قطاع الحريديم، وانتشرت ليس فقط على لسان ناطقني وناطقات بلسان هذا القطاع، إنما من خارجه أيضًا. وما يتبني اآلن أنها مجرد تمنيات في أحسن الحاالت وأالعيب سياسية في أسوأها، الغرض منها استمرار شرعنة الحلف التاريخي الذي يعتمد عليه حكم حزب الليكود بزعامة بنيامني نتنياهو. وضمن هذه املستجدات، أظهرت نتائج استطالع أجراه املعهد اإلسرائيلي للديمقراطي­ة أخيرًا أن %70 من الحريديم ال يرون سببًا لتغيير اإلعفاء املمنوح لهم من الخدمة العسكرية. وهي نسبة مشابهة للتي نشرها استطالع سابق نشره معهد سياسات الشعب اليهودي في ديسمبر/ كانون األول املاضي. وهذا يدل على أن الكالم الصادر عن الحاخام األكبر لليهود الحريديم الشرقيني، يتسحاق يوسف، الذي هدد بهجرة جماعية للحريديم من إسرائيل، إذا فرض عليهم قانون التجنيد اإلجباري، وكذلك افتتاحية صحيفة ياتيد نئمان، الناطقة بلسان الحريديم األشكيناز التي اعتبرت أن دراسة الشبان الحريديم التوراة تعود بالنفع على إسرائيل، ليس أقل من الخدمة العسكرية، لم يظهرا من عدم، بل من وجود رابطة وثيقة بني الحريديم وزعامتهم في كل املستويات. وينبغي إعادة التذكير بأن الحريديم يتطلعون، أكثر من أي غاية أخرى، إلى ترميم «عالم التوراة» في إسرائيل، بعد تدميره في أوروبا، خصوصًا إبان الحرب العاملية الثانية، وهذا التطلع ينبع من اإليمان الذي يعتبر أن «تعلم التوراة عمل وجودي بالنسبة إلى الشعب اليهودي». ويختلف تفسير الحريديم لـ «تعلم التوراة» عن االعتقاد السائد، إذ إنهم يقصدون به دراسة الغمرا (التلمود البابلي) أو التلمود وتفسيراتهم­ا. وبعد دمــار مـراكـز اليهود والحريديم فـي أوروبـــا، بقيت الـواليـات املتحدة، ومـن ثم إسرائيل، بعد قيامها، بمثابة املركزين الكبيرين الوحيدين لتعلم التوراة. وتطورت في هذين البلدين مراكز هامة لتعلم التوراة وكذلك لليهود الحريديم، لكن كال املركزين، اإلسرائيلي واألميركي، كانا مختلفني، إذ يدرس في مؤسسات تعلم التوراة في الواليات املتحدة طالب حتى سن الزواج أو بعد الزواج بسنوات قليلة، وقلة من الحريديم فقط درسوا في هذه املؤسسات فترة أطول بعد الزواج. في املقابل، تطورت في إسرائيل مؤسسة «كوليل» التي يدرس فيها الحريديم الرجال املتزوجون، وهكذا تطورت ظاهرة فريدة من نوعها، وصفها علماء االجتماع اإلسرائيلي­ون بـ«مجتمع الدارسني».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar