Al Araby Al Jadeed

ماكرون: بين نابوليون وميكافيللي

- بيار عقيقي

لم يكن أحد ليعتقد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيتقمص شخصية نابوليون بونابرت في دعواته املتكررة لدعم أوكرانيا. منذ أسابيع، يعمل ماكرون بوتيرة تصاعدية، بدأت بعدم استبعاد إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، ووصلت إلى حد التحذير منذ يومني من أن «سقوط أوكرانيا ستكون له تداعيات مباشرة على فرنسا، ومن املهم أن يفهم شبابنا معنى الحرب في أوكرانيا»، وأشار إلى أن الحرب «تبعد 1500 كيلومتر عن حدودنا... ليست بعيدة كثيرًا». بالعودة إلى عام ،2017 فاجأ ماكرون أوروبا والعالم بفوزه الرئاسي، موحيًا بقدرته على إخراج فرنسا من سنوات التيه مع نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند. وحاول استنباط سياسة غير عدائية مع روسيا، سواء بسعيه إلى صياغة «شراكة استراتيجية» مع موسكو، أو بقوله لنظيره الروسي فالديمير بوتني، خالل اللقاءات األخيرة قبل بدء روسيا غزو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط ،2022 إن «أوروبا تمتد من األطلسي إلى جبال األورال»، أي الجبال الواقعة في العمق اآلسيوي من الجغرافيا الروسية. حتى أنه بعد بدء الغزو، ظل ماكرون على تواصل دائم مع بوتني، رافضًا ما وصفه «إذالل روسـيـا». عامان كانا كافيان لتغير موقف مـاكـرون، بل بات ينتقد أملانيا إلحجامها عن إرســال صـواريـخ «تـــاوروس» إلـى أوكرانيا، وداعيًا إلى شبه ثورة عسكرية أوروبية دفاعًا عن أوكرانيا، سيؤدي نجاحها بطبيعة الحال إلى «إذالل روسيا»، ألن «هزيمتها ضـرورة» وفقًا لسيد اإلليزيه. ملاذا إذًا تغير موقف ماكرون من روسيا؟ قد يكون ذلك ألسباب انتخابية بحتة، متعلقة باالنتخابا­ت األوروبية املقررة في يونيو/ حزيران املقبل، فإن صدقت استطالعات الرأي، سيحل حزب ماكرون، (النهضة)، ثانيًا في فرنسا خلف «التجمع الوطني» اليميني املتطّرف بقيادة مارين لوبان. لكن االنتخابات بحد ذاتها ليست سببًا جوهريًا لرفع ماكرون قبضتيه أخيرًا في صــورة مـزدانـة باللونني األســود واألبـيـض، وهـو يمارس تدريبات املالكمة. مـاكـرون، الــذي حـاز شهادة الــدراســ­ات املعمقة في بحث عن جــورج فريدريش هيغل ونيكولو ميكافيللي، فيلسوف فقيه وعمل مع الفيلسوف بـول ريغور، فتأثر به وبمفاهيمه عن التاريخ والهوية والبراغمات­ية، ما استولد خطًا سياسيًا ماكرونيًا مغايرًا لليمني واليسار التقليديني فيّ فرنسا. غير أن «املاكرونية» بشكلها الحالي ستخرج من اإلليزيه بخروج سيدها في عام ،2027 مع نهاية واليته الثانية واألخـيـرة. لن تـدوم كديغولية حافظت على وجودها في وجـدان فـرنـسـا. يحتاج مــاكــرون لصياغة هـويـة جــديــدة، عنوانها أوروبــــي بــاألســا­س، وسلوكه تجاه أملانيا، قاطرة االتحاد األوروبي االقتصادية، يعبر عن مغاالة في التمسك باملبادئ األوروبية، بما يظهر ماكرون وكأنه ضنني على وحدة القارة العجوز، على حساب أملانيا. وأوروبية ماكرون تبقى مفتاحًا له ملرحلة شخصية مستقبلية بعد عام .2027 ال تنسوا دراسته ميكافيللي. وروسيا تقدم له كل الحوافز لتسيد قيادة أوروبا. لم يحمل ماكرون بندقية في حياته، بفعل عـدم خضوعه للتجنيد العسكري في بالده بسبب دراساته العليا، لكن استعداده للتحول إلى أول قائد حربي في البالد، بعد عقود من حقبة الجنرال شـارل ديغول، يكشف عن جوهر تطرقه فـي أحـاديـث سابقة فـي السنوات السبع املاضية إلـى «إنـشـاء جيش أوروبـــي»، و«صياغة أمـن مشترك»، و«بناء استراتيجية أمنية»، وهـو رغبته في عسكرة أوروبـــــ­ـا، ال فـرنـسـا فـحـسـب. ولـــعـــل الــرســائ­ــل الــتــي ذيـــلـــت بـتـوقـيـع عـسـكـريـن­ي، متقاعدين وحاليني، في عام ،2021ّ ووجهت ملاكرون، قد حان وقتها بالنسبة إليه، إنما إلبعادها عن التسبب بحرب أهلية في فرنسا ورميها على خطوط التماس الجديدة التي ستنشأ مع روسيا. لكن أقله بعد األلعاب األوملبية الصيفية، املقّررة في باريس، الصيف املقبل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar