هل ستجيد حماس المقاومة بالمفاوضات؟
تـــمـــر املــــفــــاوضــــات بــــن إســــرائــــيــــل وحـــركـــة املــقــاومــة اإلســالمــيــة (حـــمـــاس) بــشــيء من التعقيدات الـالفـتـة. وستطرح هــذه املقالة تحليال نفسيا ملا وراء هذه املفاوضات التي تـجـري بتدخل مـن الـوسـطـاء، فـي محاولة لــفــهــم الــبــعــد الــنــفــســي الــســيــاســي لعملية الـتـفـاوض خــالل الـحـرب بوصفها أسلوب مقاومة عند املستعمر، وبوصفها سياسة إخضاع عند املستعمر اإلسرائيلي. املــــفــــاوضــــات هــــي اســـتـــمـــراريـــة لــســيــاســات اإلخـــــــضـــــــاع الـــــتـــــي يــــمــــارســــهــــا االحـــــتـــــالل االســــرائــــيــــلــــي، فــــي حــــن تــــبــــدي «حـــمـــاس» عـنـادًا وصـالبـة واضـحـة فـي مطالبها كـرد فـعـل مــقــاوم لـهـذا اإلخــضــاع االسـتـعـمـاري. تــقــدم نـمـوذجـا واضــحــا فــي تـكـامـل عملية املــــقــــاومــــة، حـــيـــث تـــأتـــي املــــفــــاوضــــات جــــزءًا مــن عملية املـقـاومـة والـصـمـود أمـــام أعتى وأعــــنــــف اســـتـــعـــمـــار صـــهـــيـــونـــي فــــي زمـــن مـــــا بـــعـــد الـــــحـــــداثـــــة. أضــــــف إلــــــى ذلــــــك كــلــه مجابهة «حماس» بكل هدوء وحكمة أمام قــيــادات إسرائيلية مريضة بالصهيونية والـغـوغـائـيـة الـتـي كشفت عــن نفسها منذ بداية الحرب، وهذا ال يعني أن الصهيونية تنفذ أجندتها بأساليب جديدة، بل إن ما تقوم به في هذه الحرب مبني على أساليب الصهيونية الـتـي تـأسـسـت عليها، بينما أصــبــحــت الــغــوغــائــيــة مــوضــعــا لـلـمـفـاخـرة واملـــنـــافـــســـة بــــن قــــيــــادات االحــــتــــالل خـــالل الحرب على غزة. تجري املفاوضات في ظل ضغوط يمارسها االحتالل على الوسطاء مــــن الـــــــدول فــــي الـــتـــفـــاوض بــــن «حـــمـــاس» وإســــرائــــيــــل. ومـــــن خـــــالل هـــــذه الـــضـــغـــوط، تــــحــــاول إســـرائـــيـــل أن تــتــمــســك بــروايــتــهــا أنـهـا الـطـرف الــذي جـرى االعـتـداء عليه في 7 أكـتـوبـر/تـشـريـن األول، وتـسـتـخـدم هـذه الديباجة ذريعة أمام الشعوب والدول التي تمارس الضغط على إسرائيل لفك الحصار عن قطاع غزة، وتقابل هذا الضغط بتنفيذ خـطـة أمـنـيـة مــع مـصـر لـضـمـان عـــدم مــرور السالح عبر الحدود املصرية. أصبحت مسألة تـدويـل األمــن اإلسرائيلي مـــع مــصــر فـــي مــقــدمــة أولـــويـــات إســرائــيــل، ولنترقب أيضا احتمال تحميل مصر أي مـسـؤولـيـة فــي املـسـتـقـبـل، فــي حـــال خرقت «حــمــاس» أي هـدنـة مفترضة. لـــذا، تدويل الهدنة أيضا خطة سياسية جديدة، ربما ستجّرنا إلـى مزيٍد من القيادة والوصاية اإلسـرائـيـلـيـة عـلـى املنطقة الـعـربـيـة، وهــذا احــتــمــال جـــزئـــي، ألن االحــتــمــال اآلخــــر هو تورط إسرائيل في حروب من عدة جبهات، مـــن أجــــل إضــعــافــهــا وتــحــجــيــم دورهـــــا في املنطقة العربية. لذا األهم في كواليس هذه املـــفـــاوضـــات هـــو الــتــمــعــن فـــي مـــواقـــف دول الجوار وعالقاتها املهمة جدًا إلسرائيل في هـذه املرحلة، فليس لـدى إسرائيل أي قوة تحتكرها مثل السابق، فالتكافؤ العسكري واالقــــــتــــــصــــــادي والــــتــــكــــنــــولــــوجــــي أصـــبـــح موجودًا ويشكل تهديدًا على إسرائيل. رغم أن املفاوضات مكملة لعملية املقاومة، لكن املـخـاوف من انشقاقات داخــل حماس قد تنتج عن هذه املفاوضات مستقبال، في حال ظل باب التفاوض مفتوحا، ألنها أمام عــــدو مـتـطـلـب ويـقـتـنـص فــرصــه مـــن خــالل املـفـاوضـات، واملقصد بالفرص هنا فرص الــتــنــازل مــن «حـــمـــاس» فــي مــراحــل مقبلة. يأتي مصدر تلك املخاوف من تعددية الدول الــداعــمــة واملــمــولــة لـلـحـركـة، فـــإذا مــا قـارنـا «حماس» بحزب الله من ناحيتي تعددية املـــصـــادر الــداعــمــة لـلـمـقـاومـة ووجــــود خط مفاوضات من عدمه، نجد أن هناك اختالفا واضحا بينهما من هاتن الناحيتن. تأتي تلك املقارنة من باب املقارنة ليس إال،
إذا ما أسقطنا كل الواقع العسكري في قطاع غّزة، فستكون المفاوضات مرآته
بمعنى أنــهــا ليست مـفـاضـلـة. لـكـن ونحن نــفــكــر بــهــا تـعـتـرضـنـا حـقـيـقـة أن املــقــاومــة مــــا زالــــــت فــــي أوج قـــوتـــهـــا، ولـــهـــا كـلـمـتـهـا الـــنـــافـــذة فـــي غــــــزة، وتــســتــطــيــع أن تــرفــض مــا ال يعجبها فــي املـــفـــاوضـــات، ولــعــل من يحدد سير املفاوضات من خلف كواليسها لـــدى «حـــمـــاس» هـــي الـــقـــيـــادات الـعـسـكـريـة، ويأتي الدور الدبلوماسي في هذه املرحلة عاكسا لخطط املقاومة التي ما زال لديها عـــديـــد الــخــطــط الـــتـــي لـــم تــنــفــذ بـــعـــد، لـذلـك يمكن تفسير نــزوع االحـتـالل نحو اإلبــادة الـــجـــمـــاعـــيـــة لـــلـــمـــدنـــيـــن الـــــعـــــزل عــــجــــزًا عـن القدرة على التنبؤ بخطط «حماس» اآلنية واملستقبلية. كما هــذه مـقـارنـة أخـــرى بن املــقــاومــة فــي غــــزة واملــقــاومــة الـحـوثـيـة في اليمن، فكلما كـانـت املـقـاومـة على مناطق الـــــتـــــمـــــاس مـــــع الــــــعــــــدو احــــتــــاجــــت لــخــطــط عسكرية أكثر، خصوصا في نطاق جغرافي مـحـاصـر، بـــرًا وجـــوًا وبــحــرًا، وهـــذا أصعب امــتــحــان أمــــام الـــدعـــم واإلســـنـــاد األمــيــركــي والجنون العسكري األعمى لدى الصهاينة.