جلسات تفريغ نفسي للصحافيين في غزة
في ظل الظروف الضاغطة التي يعيشها الصحافيون في قطاع غزة، تقدم مؤسسة «فلسطينيات» جلسات تفريغ نفسي تساعدهم على التعامل مع التوتر اليومي الذي يواجهونه
يـــلـــقـــي الـــصـــحـــافـــي الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــي مــحــمــد الــــســــوافــــيــــري، مــــن مـــديـــنـــة غــــــزة، بــهــمــومــه والضغوطات النفسية التي يتعرض لها عـــلـــى ورقــــــة بـــيـــضـــاء، قـــــام بـــالـــرســـم عـلـيـهـا وتلوينها بألوان مختلفة، في محاولة منه لنفض الطاقة السلبية، واالستعاضة عنها بطاقة إيجابية تعينه على مواصلة عمله. ويـــتـــشـــارك مـــع الـــســـوافـــيـــري نــحــو أربــعــن صــحــافــيــا فـــي جــلــســات الــتــفــريــغ الـنـفـسـي املـــــــكـــــــثـــــــفـــــــة، الـــــــتـــــــي تــــنــــظــــمــــهــــا مــــؤســــســــة «فــلــســطــيــنــيــات» فـــي أحــــد الـــفـــنـــادق غـربـي مـــــديـــــنـــــة غـــــــــــزة، بـــــالـــــشـــــراكـــــة مـــــــع مـــنـــظـــمـــة «يـــونـــســـكـــو»، فـــي خـــطـــوة لـــتـــجـــاوز الـــواقـــع األلــيــم الــــذي يـمـر فـيـه الـصـحـافـيـون الـذيـن يتعرضون لضغوط نفسية مباشرة خالل عملهم، خاصة في أوقات التصعيد، والتي تضعهم في أجواء متوترة، وأوضاع نفسية صعبة، نتيجة الصراع بن العمل والخوف على العائلة. وتتنوع األنشطة التي يجرى تــنــفــيــذهــا وتـــســـتـــهـــدف الـــصـــحـــافـــيـــن بـن جلسات االستماع والـرسـم الـحـر للتعبير عـــن املـــشـــاعـــر والــــــــذات، وتــعــقــبــهــا جـلـسـات نقاش حول الرسومات، إلى جانب جلسات للتشكيل، والعصف الذهني الجماعي، في محاولة للتخلص من الطاقة السلبية. ويـــقـــول الـــســـوافـــيـــري، الــــذي بــــدا مـنـسـجـمـا خـــالل جلسة الـتـفـريـغ الـنـفـسـي، إنـــه شــارك ضـمـن 40 صـحـافـيـا فــي جـلـسـات التفريغ والرعاية النفسية، والتي يجرى تنفيذها على مـدار ثالثة أيــام، في عـدد من البرامج التي تركز على العصف الذهني، والتفريغ النفسي، والتعاون املشترك. وعلى هامش األنـــشـــطـــة الــتــفــاعــلــيــة، يــشــيــر الــســوافــيــري إلــى أن فعاليات وجلسات الـدعـم النفسي مـــهـــمـــة وضــــــروريــــــة لـــلـــصـــحـــافـــيـــن الـــذيـــن يعيشون فـي بقعة غير مستقرة سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا، وأنهم بحاجة إلى املــزيــد مــن الـبـرامـج الـتـي تـركـز على تقديم رعـايـة واهتمام نفسي ومعنوي. ويسعى الصحافيون املشاركون في جلسات الدعم الـنـفـسـي إلــــى تـــجـــاوز األزمــــــات املـتـواصـلـة الـتـي يتسبب فيها االحــتــالل اإلسرائيلي، واألوضــاع املتدهورة في القطاع املحاصر منذ 16 عاما، من خـالل أنشطة وفعاليات تفريغ نفسي، تتضمن فعاليات ترفيهية، يمكنها أن تساعدهم فـي تناسي واقعهم الصعب، ولو بشكل مؤقت. أما الصحافي حاتم عمر، من وكالة األنباء الـصـيـنـيـة، الـــذي تـــشـــارك مــع بــاقــي زمـالئـه في تشكيل عجينة الصلصال، فيوضح أن الـصـحـافـي الفلسطيني يـتـعـرض ملختلف األزمات، من حصار، وضغط عمل، وتغطية
مــتــواصــلــة ملــخــتــلــف األحـــــــداث املــتــالحــقــة، والـــتـــي تـخـتـلـف فـــي فـلـسـطـن وقـــطـــاع غــزة عـــن بــاقــي بـــلـــدان الـــعـــالـــم، مـــا يـجـعـلـهـم في أمس الحاجة إلى أنشطة وفعاليات الدعم النفسي، داخـل فلسطن وخارجها. ويبن عــمــر لــــ«الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد» أن «مـــثـــل هــذه الــبــرامــج تــعــود بـالـنـفـع عـلـى الصحافين، وتــــســــاهــــم فـــــي تـــخـــفـــيـــف الــــضــــغــــوط الـــتـــي
تتيح هذه الدورات فرصة للخروج ولو مؤقتًا من الضغوط المتواصلة
يتعرضون لها، إلى جانب مساهمتها في توفير مساحة للتفريغ النفسي، يطبقها الـصـحـافـي عـلـى نـفـسـه، وأهـــلـــه، وجــيــرانــه، ومحيطه، ومجتمعه». ويـــعـــتـــبـــر الـــصـــحـــافـــي مـــــــرآة املـــجـــتـــمـــع فـي الــحــروب واألزمــــات، وفــق تعبير عـمـر، إلى جـــانـــب أنـــــه جـــــزء ال يـــتـــجـــزأ مــــن املــنــظــومــة املجتمعية والسياسية واألخـالقـيـة، فيما
يعتبر العمل الصحافي جـــزءًا مـن الحياة اليومية، ما يعني أنه من الضروري توفير األســــاســــيــــات واالمـــكـــانـــيـــات الـــتـــي تـعـيـنـه على مـواصـلـة عمله، وعـلـى تحمل تبعات الحياة وضغوط العمل. وتعتبر الضغوط النفسية الـتـي يـتـعـرض لـهـا الصحافيون الفلسطينيون، فــي مختلف املــــدن، وعلى وجـه التحديد فـي قطاع غــزة، كبيرة جـدا، مـــن وجـــهـــة نــظــر الــصــحــافــي أحـــمـــد قــديــح، حــــيــــث قــــــامــــــوا بـــتـــغـــطـــيـــة خـــمـــســـة حــــــروب دامـــيـــة وقــــويــــة، وقــــد كـــبـــروا مـــع األحــــــداث، الـــتـــي تـــابـــعـــوهـــا لــحــظــة بـــلـــحـــظـــة، فــــي ظـل االســـتـــهـــداف املــبــاشــر لـــلـــكـــوادر اإلعــالمــيــة، واملــــقــــار الــصــحــافــيــة. ووفـــــق رؤيـــــة قــديــح، فـإن الصحافين بحاجة إلـى تفريغ اآلثـار النفسية الـسـلـبـيـة، خــاصــة فــي ظــل ضغط الــعــمــل، وعـــــدم وجـــــود مــســاحــة شـخـصـيـة، يمكنها أن تتيح للصحافي االســتــرخــاء، وتفريغ املشاعر واآلثــار السلبية لألحداث املــتــواصــلــة عـلـى نـفـسـيـتـه، خــاصــة فــي ظل استمرار الحصار اإلسرائيلي، وعدم القدرة عــلــى الـتـنـقـل بــحــريــة، أو الــســفــر بـأريـحـيـة للمشاركة في الدورات واملسابقات الدولية. وتتيح دورات التفريغ النفسي للصحافي املـــســـاحـــة الـــخـــاصـــة لـــلـــخـــروج ولـــــو بـشـكـل مؤقت من الضغوط املتواصلة، بناء على وصـف قديح، ما يمكن ان يؤثر باإليجاب على عمله ومسيرته اإلعالمية، عالوة على أنها تتيح له إمكانية الفصل بن الضغط واألحداث، وبن املساحة الشخصية. ويوضح املدرب جاسم شومان أن جلسات التفريع النفسي للصحافين تعمل على خـلـخـلـة الـــضـــغـــوطـــات الـــتـــي يــتــعــرض لها الصحافي خـالل تغطية األحـــداث اليومية في مناطق الصراع، والتي تصنع تراكمات فــي ذهــنــه وذاكـــرتـــه الــصــوريــة، إلـــى جانب مـسـاعـدتـه فــي إيــجــاد جـــزء لـلـفـرح واعــــادة تــقــســيــم الــــــذاكــــــرة، وتــــحــــديــــد األولــــــويــــــات. ويـــبـــن شــــومــــان لــــ«الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد» أن ورشـــــات الــتــفــريــغ الـنـفـسـي يـمـكـنـهـا كـذلـك أن تمد الشخص بــــاألدوات الــالزمــة إلدارة الضغوطات فـي الحياة، حيث تعمل على التفريغ اللحظي، ومع مرور األيام، يصبح أكــثــر قــــدرة عـلـى اسـتـخـدامـهـا بـشـكـل أكثر جـــــــودة، عـــبـــر اســـتـــخـــدام مــخــتــلــف وســـائـــل الــــتــــواصــــل األخــــــــرى إلـــــى جـــانـــب الــتــعــبــيــر الــــلــــغــــوي، مـــثـــل الــــصــــور والـــــرســـــم وحـــركـــة الجسد. وتتالحق التحديات التي يفرضها االحــــتــــالل اإلســـرائـــيـــلـــي عــلــى الـصـحـافـيـن فـي قـطـاع غـــزة، والـتـي تتسبب فـي تدهور أوضـــاعـــهـــم الــنــفــســيــة، بـــــدء ا مـــن الــحــصــار املشدد، والتضييق، والحد من القدرة على التنقل بحرية من وإلــى القطاع املحاصر، عالوة على التهديد املباشر.