تبون في موسكو: تعاون استراتيجي
يزور الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، موسكو، لمدة 3 أيام يلتقي خاللها الرئيس الروسي فالديمير بوتين بهدف تعزيز التعاون االستراتيجي بين البلدين
يبدأ الرئيس الجزائري، عبد املجيد تبون، الـــيـــوم الـــثـــالثـــاء زيــــــارة إلــــى روســـيـــا تـــدوم ثالثة أيـــام. ويلتقي تبون خاللها الرئيس فالديمير بوتن، في خطوة تثير الكثير من الجدل من حيث توقيتها السياسي املرتبط بـــالـــحـــرب الـــقـــائـــمـــة فــــي أوكــــرانــــيــــا، وتـــزايـــد الضغوط على الجزائر بسبب موقفها الذي يوصف مـن قبل بعضهم بأنه منحاز إلى موسكو. وأشــــــارت مـــصـــادر جــزائــريــة مــســؤولــة، في حــديــث لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»، إلـــى أن وفـــدًا وزاريــــًا رفـيـعـًا سـيـرافـق تــبــون، يـضـم أيضًا وزيـــــــر الــــخــــارجــــيــــة رمـــــطـــــان لــــعــــمــــامــــرة، إذ سيتم خــالل هــذه الــزيــارة التوقيع على ما سمي «وثيقة تعاون استراتيجي»، والتي ســـتـــؤطـــر الـــعـــالقـــات الـــجـــزائـــريـــة الـــروســـيـــة على املـسـتـويـات السياسية واالقـتـصـاديـة والعسكرية كافة، والتعاون في مجال الطاقة ونــقــل الـتـكـنـولـوجـيـا. ويــأتــي ذلـــك تتويجًا لــعــالقــات نــوعــيــة بـــن الــبــلــديــن، خـصـوصـًا في املجال العسكري. وسبقت زيــارة تبون تبادل زيارات بن كبار املسؤولن والوزراء مـن الـدولـتـن، لـوضـع التفاهمات وتحديد أولويات املرحلة املقبلة لكل طرف. كما زار مدير املصلحة الفيدرالية للتعاون الـعـسـكـري والـتـقـنـي الـــروســـي، شـوغـايـيـف ديـــمـــيـــتـــري إفــغــيــنــيــفــيــتــش، فــــي نــوفــمــبــر/ تـشـريـن الــثــانــي املـــاضـــي، الــجــزائــر والـتـقـى كـــبـــار قـــــيـــــادات الـــجـــيـــش الــــجــــزائــــري، وفـــي مقدمتهم رئيس أركـــان الجيش الجزائري الـسـعـيـد شنقريحة لبحث مـضـمـون خطة الــتــعــاون الــعــســكــري، خـصـوصـًا فـــي مـجـال الـصـنـاعـات العسكرية. وبـلـغ الـتـعـاون بن البلدين مستويات متقدمة. وتشترك القوات املسلحة الجزائرية والروسية في سلسلة مــنــاورات جــرت فــي روســيــا، ومــن املــقــرر أن تــجــري إحـــداهـــا فــي منطقة بــشــار جنوبي الجزائر. وتستورد الجزائر جزءًا مهمًا من عتادها العسكري وترسانتها الحربية من مــوســكــو، وتـعـتـمـد عــلــى الـــســـالح الــروســي لـتـجـديـد تــرســانــة الــجــيــش، خــصــوصــًا في منظومات الدفاع والهجوم الصاروخية. وتبرز حاجة الجزائر إلى تعزيز عالقاتها مع روسيا في سياق إعادة هندسة جديدة ألمن منطقة شمال أفريقيا والساحل، والتوازنات املـــســـتـــقـــبـــلـــيـــة، عــــلــــى الـــصـــعـــيـــد الـــســـيـــاســـي واالقتصادي واألمني، والرغبة في الحصول على دعم روسيا لتطلع جزائري لالنضمام إلى منظمة «بريكس». باملقابل، تبرز حاجة روسـيـا إلــى الـجـزائـر الـتـي تـتـزايـد أهميتها وثـــقـــلـــهـــا اإلقـــلـــيـــمـــي فـــــي املــــرحــــلــــة األخــــيــــرة ودورهــــا فـي حـل أزمـــات املنطقة، خصوصًا في ليبيا ومالي ودول الساحل، حيث تغض الــجــزائــر الــطــرف عــن تــمــدد روســـي فــي هـذه املنطقة، لكونه عامال مساعدًا على استبعاد الوجود الفرنسي من دول املنطقة، خصوصًا فــــــي مـــــالـــــي والــــنــــيــــجــــر وبــــوركــــيــــنــــافــــاســــو.
وأعــلــن وزيـــر الـخـارجـيـة الـــروســـي سيرغي الفـــــــروف، خــــالل وجــــــوده فـــي الـــجـــزائـــر في مايو/ أيـار املاضي، عن زيــارة تبون للمرة األولـــــى. ومـــن شـــأن الـــزيـــارة أن تـعـيـد بعث تحفظات وضغوط تحاول أطراف أميركية دفعها ضد الجزائر، بسبب تطور التعاون الــعــســكــري وصـــفـــقـــات األســـلـــحـــة الــروســيــة لصالح الجزائر، خصوصًا أن هذه األطراف تـــضـــع الــــجــــزائــــر ضـــمـــن الــــخــــنــــدق املــــوالــــي لـروسـيـا فــي الــحــرب القائمة فــي أوكـرانـيـا، إذ ترفض إدانـــة الـغـزو الـروسـي ألوكرانيا. وسبق لنائب رئيس لجنة االستخبارات في مجلس الشيوخ األمـيـركـي، مـاركـو روبيو، أن وجه رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بـلـيـنـكـن، يـطـالـبـه فـيـهـا بتسليط عـقـوبـات ضــــد الــــجــــزائــــر بــســبــب صـــفـــقـــات األســلــحــة مـع موسكو، تلتها رسـالـة ثانية وجهتها مجموعة تضم 27 من أعضاء الكونغرس، تتزعمهم ليزا ماكلن، إلى بلينكن، ملطالبته بــــفــــرض عـــقـــوبـــات عـــلـــى الــــجــــزائــــر، بـسـبـب «صــفــقــة أســلــحــة تــزيــد قـيـمـتـهـا عـــن سبعة مليارات يـورو عام ،2021 تسهم في تقوية آلة الحرب الروسية في أوكرانيا». لــكــن الــســلــطــات الـــجـــزائـــريـــة تــجـاهــلــت الـــرد أو الــتــعــلــيــق املـــبـــاشـــر عــلــى هــــذه الــرســائــل األميركية، ما دامت ال تصدر عن مؤسسات رســمــيــة فـــي واشــنــطــن، عـــدا تـلـمـيـحـات من تبون، أشار فيها إلى أن الجزائر لها عالقات مع موسكو مثلما لها عالقات مع واشنطن، وأنها بلد محايد وسيد في قراره السياسي وتــقــديــر عــالقــاتــه الـــدولـــيـــة. وكــــان الفــتــًا أن تــســبــق زيــــــارة تـــبـــون إلــــى مـــوســـكـــو، زيــــارة لـشـنـقـريـحـة إلــــى بـــاريـــس، تـــقـــرأ فـــي سـيـاق بحث الجزائر عن نقطة توازن في عالقاتها بـن املعسكرين الغربي والــروســي، خاصة في خضم الحرب القائمة في أوكرانيا.